
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الهروي، بل الاسم الذي اختاره لكتابه في أول الأمر ــ وهو: «مراحل السائرين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين» ــ لم يكن يدل أيضًا على أن الكتاب في شرح «منازل السائرين». فهل غيَّر ابن القيم خطة الكتاب في أثناء تأليفه؟ لننظر أولا في البناء العام للكتاب. يمكن أن نقسم الكتاب لفهم تأليفه إلى الأقسام الآتية:
1) خطبة الكتاب (1/ 1 - 9) الخطبة كلها تدور حول فضل القرآن ومنزلته في حياة المسلمين، فهو الصراط المستقيم الذي لا تزيغ به الآراء والأهواء، وهو الهدى والنور، وحياة القلوب وشفاء الصُّدور، والعروة الوثقى التي لا انفصام لها. وهو الكفيل بمصالح العباد في المعاش والمعاد. ولكن طوائف كثيرة من عامة المسلمين وخاصتهم هجروه، وعزلوه عن منصبه بطرق مختلفة من التأويل وغيره، واستفزَّتهم آراء الرجال و أنواع الجدل وضروب الأقيسة والإشارات والشطحات. وختم المصنف هذه الخطبة بأنه سينبه على ذلك بالكلام على سورة الفاتحة وعلى بعض ما تضمنته من الرد على جميع طوائف أهل البدع والضلال، وكذلك ما تضمنته من منازل السائرين ومقامات العارفين، والفرق بين وسائلها وغاياتها، ومواهبها وكسبياتها
2) تفسير سورة الفاتحة (1/ 10 - 171)
ومن المباحث التي يشتمل عليها:
- إثبات السورة للنبوة من ثماني جهات.
- فصول في تفسير الصراط المستقيم وسؤال الهداية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ربِّ يسِّرْ (1)
الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلّا على الظّالمين. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، ربُّ العالمين، وإلهُ المرسلين، وقيُّومُ السّماوات والأرضين. وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله المبعوث بالكتاب المبين، الفارقِ بين الهدى والضَّلال، والغيِّ والرَّشاد، والشَّكِّ واليقين. أنزله لنقرأه تدبُّرًا، ونتأمّلَه تبصُّرًا، ونسعدَ به تذكُّرًا؛ ونحملَه على أحسن وجوهه ومعانيه، ونصدِّقَ أخباره ونجتهدَ على إقامة أوامره ونواهيه، ونجتنيَ ثمارَ علومه النّافعة الموصِلة إلى الله سبحانه من أشجاره، ورياحينَ الحِكَم من بين رياضه وأزهاره.
فهو كتابُه الدَّالُّ لمن أراد معرفته، وطريقُه المُوصِلةُ لسالكها إليه، ونورُه المبينُ الذي أشرقت له الظُّلمات، ورحمتُه المهداة التي بها صلاح جميع المخلوقات، والسَّببُ الواصلُ بينه وبين عباده إذا انقطعت الأسباب، وبابه الأعظم الذي منه الدُّخول، فلا يُغلَق إذا غلِّقت الأبواب.
وهو الصِّراط المستقيم الذي لا تميل به الآراء، والذِّكر الحكيم الذي لا تزيغ به الأهواء، والنُّزُل الكريم الذي لا يشبع منه العلماء. لا تفنى عجائبه، ولا تُقلِع سحائبه، ولا تنقضي آياته، ولا تختلف دلالته (2). كلّما ازدادت