
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
هذا المذهب من ستين وجها في كتابنا المسمى (تحفة النازلين بجوار رب العالمين) وأشبعنا الكلام في هذه المسألة هناك، وذكرنا جميع ما احتج به أرباب هذا المذهب وبطلانه». هذا ما قاله في (1/ 360)، ولكن أحال من قبل (1/ 140) ومن بعد (4/ 510) لهذه المسألة نفسها على كتاب «مفتاح دار السعادة»، فقال في الموضع الأول: «ولهذ الأصل لوازم وفروع كثيرة فاسدة، وقد ذكرناها في كتابنا الكبير المسمى (مفتاح دار السعادة ... ) وبينا فساد هذا الأصل من نحو ستين وجها».ومثله في الموضع الآخر. فيحتمل أن يكون كتاب «تحفة النازلين» مثل كتاب «التحفة المكية» مجموعا مستقلا قيَّد فيه فوائد ثم نقلها إلى كتبه الأخرى، أو عنوانًا آخر للتحفة المكية نفسها.
6) ومنها ما نثره المؤلف - رحمه الله - في فصول كثيرة من الكتاب من أقوال شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وآرائه وترجيحاته، ينقل بعضها من كتبه، ويروي بعضها عنه شفاها.
7) ومنها مناقشات المؤلف واحتجاجاته وترجيحاته في مباحث عديدة اشترك فيهاهذا الكتاب وغيره من كتب المؤلف، ومنها ما أحال لها على كتبه الأخرى التي أشرنا إليها آنفا، نحو مسألة التحسين والتقبيح، ومسألة حب الله لخلقه، وغيرهما. ثم أسلوب المؤلف ونفَسه ومنهجه في الكلام على المسائل الخلافية وغير ذلك من خصائص كتبه=كلُّ ذلك مستعلن في كتابنا هذا أيضا، بحيث لو حذف عنوان الكتاب واسم مؤلفه لم يشكّ قارئه في كونه من تأليف ابن القيم - رحمه الله -.
* * * *
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ربِّ يسِّرْ (1)
الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلّا على الظّالمين. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، ربُّ العالمين، وإلهُ المرسلين، وقيُّومُ السّماوات والأرضين. وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله المبعوث بالكتاب المبين، الفارقِ بين الهدى والضَّلال، والغيِّ والرَّشاد، والشَّكِّ واليقين. أنزله لنقرأه تدبُّرًا، ونتأمّلَه تبصُّرًا، ونسعدَ به تذكُّرًا؛ ونحملَه على أحسن وجوهه ومعانيه، ونصدِّقَ أخباره ونجتهدَ على إقامة أوامره ونواهيه، ونجتنيَ ثمارَ علومه النّافعة الموصِلة إلى الله سبحانه من أشجاره، ورياحينَ الحِكَم من بين رياضه وأزهاره.
فهو كتابُه الدَّالُّ لمن أراد معرفته، وطريقُه المُوصِلةُ لسالكها إليه، ونورُه المبينُ الذي أشرقت له الظُّلمات، ورحمتُه المهداة التي بها صلاح جميع المخلوقات، والسَّببُ الواصلُ بينه وبين عباده إذا انقطعت الأسباب، وبابه الأعظم الذي منه الدُّخول، فلا يُغلَق إذا غلِّقت الأبواب.
وهو الصِّراط المستقيم الذي لا تميل به الآراء، والذِّكر الحكيم الذي لا تزيغ به الأهواء، والنُّزُل الكريم الذي لا يشبع منه العلماء. لا تفنى عجائبه، ولا تُقلِع سحائبه، ولا تنقضي آياته، ولا تختلف دلالته (2). كلّما ازدادت