
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ومعلوم أن قطعة من الكتاب قد طبعت في الهند سنة 1894 م (1311/ 1312 هـ) ــ وكانت هي أول طبعة للكتاب ــ باسم «مدارج السالكين شرح منازل السائرين من منازل إياك نعبد وإياك نستعين» ولا شك أنه عنوان ملفَّق، زيد فيه «من منازل ... » إلخ. أما العنوان المشهور «مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين»، فهوعنوان جميل رائق عُرف به الكتاب منذ قرن من الزمن، إذ طبعه السيد رشيد رضا بهذا العنوان وتَبِعه الناشرون الذين جاؤوا من بعده جميعًا، ولكنه كما قلنا لم يرد في شيء من الأصول النفيسة القديمة، وإنما نراه في النسخ المتأخرة التي كتب معظمها في القرن الماضي! ونخشى ــ إن لم يكن هذا العنوان منقولا من النسخ القديمة ــ أن يكون ملفقًا أيضًا، فأُخِذ الجزء الأول «مدارج السالكين» من العنوانين الثالث والرابع، والجزء الثاني «بين منازل ... » إلخ من العنوان الأول الذي ذكره المؤلف وتلميذه ابن رجب. ويرشحه أن المؤلف استهلَّ كثيرًا من أبواب الكتاب بقوله: «ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين». وإذا صرفنا النظر عن العنوان الرابع الذي انفردت به إحدى النسخ (وتابعتها أخرى منقولة منها) بقيت ثلاثة عناوين، وأقواها في الظاهر أولها، وهو «مراحل السائرين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين»، فإن المؤلف نفسه أحال عليه بهذا العنوان، ثم ذكره تلميذه ابن رجب في ثبت مؤلفاته. ولكن يُضعفه أنه لم يرد أيضًا فيما وصل إلينا من نسخ الكتاب قديمة كانت أو متأخرة. أما النسخة المحفوظة في جامعة الإمام برقم 8963 المكتوبة سنة 1267 (في بطاقة النسخة: 1278، خطأ) المخرومة من أولها، فإن ناسخها
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ربِّ يسِّرْ (1)
الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلّا على الظّالمين. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، ربُّ العالمين، وإلهُ المرسلين، وقيُّومُ السّماوات والأرضين. وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله المبعوث بالكتاب المبين، الفارقِ بين الهدى والضَّلال، والغيِّ والرَّشاد، والشَّكِّ واليقين. أنزله لنقرأه تدبُّرًا، ونتأمّلَه تبصُّرًا، ونسعدَ به تذكُّرًا؛ ونحملَه على أحسن وجوهه ومعانيه، ونصدِّقَ أخباره ونجتهدَ على إقامة أوامره ونواهيه، ونجتنيَ ثمارَ علومه النّافعة الموصِلة إلى الله سبحانه من أشجاره، ورياحينَ الحِكَم من بين رياضه وأزهاره.
فهو كتابُه الدَّالُّ لمن أراد معرفته، وطريقُه المُوصِلةُ لسالكها إليه، ونورُه المبينُ الذي أشرقت له الظُّلمات، ورحمتُه المهداة التي بها صلاح جميع المخلوقات، والسَّببُ الواصلُ بينه وبين عباده إذا انقطعت الأسباب، وبابه الأعظم الذي منه الدُّخول، فلا يُغلَق إذا غلِّقت الأبواب.
وهو الصِّراط المستقيم الذي لا تميل به الآراء، والذِّكر الحكيم الذي لا تزيغ به الأهواء، والنُّزُل الكريم الذي لا يشبع منه العلماء. لا تفنى عجائبه، ولا تُقلِع سحائبه، ولا تنقضي آياته، ولا تختلف دلالته (2). كلّما ازدادت