مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)
مدارج السالكين في منازل السائرين
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
وجالوا، وأتوا إليه مذعنين، لا لأنّه حقٌّ، بل لموافقةِ غرضهم وأهوائهم، وانتصارهم به. {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [النور: 48 - 50].
والمقصود: أنّ قصد هؤلاء فاسدٌ في غاياتهم ووسائلهم. وهؤلاء إذا بطلت الغايات التي طلبوها واضمحلَّتْ وفنيَتْ، حصلوا على أعظم الخسران والحسرات. وهم أعظم النّاس ندامةً وتحسُّرًا إذا حقَّ الحقُّ وبطَلَ الباطلُ، وتقطَّعت بهم الأسبابُ والوُصَلُ (1) التي كانت بينهم، وتيقَّنوا انقطاعَهم عن ركب الفلاح والسَّعادة. وهذا يظهر كثيرًا في الدُّنيا، ويظهر أقوى من ذلك عند الرَّحيل منها والقدوم على الله تعالى. وسيكثُر (2) ظهورُه وتحقُّقه في البرزخ، وينكشف كلَّ الانكشاف يوم اللِّقاء إذا حقَّت الحقائق، وفاز المُحِقُّون، وخَسِر المبطلون، وعلموا أنّهم كانوا كاذبين، وكانوا مخدوعين مغرورين. فياله هنالك من علمٍ لا ينفع عالمَه، ويقينٍ لا يُنجي مستيقنَه.
وكذلك من طلب الغاية العليا والمطلب الأعلى، ولكن لم يتوسَّل إليه بالوسيلة المُوصِلة له (3) إليه، بل توسَّل إليه بوسيلةٍ ظنَّها موصِلةً إليه، وهي