مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)
مدارج السالكين في منازل السائرين
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
المحدَّثين. فالتّحديث إلهامٌ خاصٌّ، وهو الوحيُ إلى غير الأنبياء عليهم السلام إمَّا من المكلَّفين كقوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص: 7] وقوله: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي} [المائدة: 111]، وإمّا من غير المكلَّفين كقوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل: 68]. فهذا كلُّه وحيُ إلهامٍ.
وأمّا جعلُه فوق مقام الفراسة فقد احتجَّ عليه بأنَّ الفراسة ربّما وقعت نادرةً كما تقدَّم، والنّادر لا حكم له؛ وربَّما استصعبت على صاحبها واستعصت (1) عليه فلم تطاوعه؛ والإلهامُ لا يكون إلّا في مقامٍ عتيدٍ، يعني في مقام القرب والحضور.
والتّحقيق في هذا أنّ كلّ واحدٍ من "الفراسة" و "الإلهام" ينقسم إلى عامٍّ وخاصٍّ، وخاصُّ كلِّ واحدٍ منهما فوق عامِّ الآخر، وعامُّ كلِّ واحدٍ قد يقع كثيرًا، وخاصُّه قد يقع نادرًا. ولكنّ الفرق الصّحيح: أنّ الفراسة قد تتعلَّق بنوع كسبٍ وتحصيلٍ، وأمّا الإلهام فموهبةٌ مجرَّدةٌ لا تُنال بكسبٍ البتّة.
فصل
قال (2): (وهو على ثلاث درجاتٍ: الدّرجة الأولى: نبأٌ يقع وحيًا قاطعًا مقرونٌ (3) بسماعٍ، أو مطلقًا).