
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)
مدارج السالكين في منازل السائرين
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
قلوبًا، وأضعَفُهم جَنانًا. فهم كالخشب المسنَّدة التي لا تمييز (1) لها، قد قُلِعَت من مغارسها فتساندت إلى حائطٍ يقيمها لئلَّا يطأها السّالكون. {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون: 4].
يؤخِّرون الصَّلاةَ عن وقتها الأوّل إلى شَرَقِ الموتى، فالصُّبحُ عند طلوع الشّمس، والعصرُ عند الغروب. وينقُرونها نقرَ الغراب، إذ هي صلاةُ الأبدان لا صلاةُ القلوب. ويلتفتون فيها التفاتَ (2) الثَّعلب إذا تيقَّنَ أنّه مطرودٌ ومطلوبٌ. ولا يشهدون الجماعة، بل إن صلّى أحدُهم ففي البيت أو الدُّكّان. وإذا خاصَمَ فجَر، وإذا عاهَدَ غدَر، وإذا حدَّثَ كذَب، وإذا وعَد أخلَفَ، وإذا ائتُمِنَ خان (3). هذه معاملتُهم للخلق، وتلك معاملتُهم للخالق (4). فخذ وصفَهم من أوّل المطفِّفين، وآخر (والسَّماء والطَّارق) (5)، فلا ينبِّئك عن أوصافهم مثلُ خبيرٍ، {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة: 73].
فما أكثرهم! وهم الأقلُّون. وما أجبرهم! وهم الأذلُّون. وما أجهلهم!