مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)
مدارج السالكين في منازل السائرين
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
النّاسَ يوم القيامة في صعيدٍ واحدٍ قال للعلماء: إنِّي كنت أُعبَدُ بفتواكم، وقد علمتُ أنّكم كنتم تخلِطون ما يخلِط النَّاسُ، وإنِّي لم أضَعْ علمي فيكم وأنا أريد أن أعذِّبكم. اذهبوا، فقد غفرتُ لكم". هذا معنى الحديث، وقد روي مسندًا ومرسلًا.
فهذا الذي ذكرتم صحيحٌ، وهو مقتضى الحكمة والجود والإحسان، ولكن ما تصنعون بالعقوبة المضاعفة التي ورد التَّهديدُ بها في حقِّ أولئك إن وقع منهم ما يُكرَه، كقوله: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَعَّفُ (1) لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: 30]، وقوله تعالى: {(73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا} [الإسراء: 74 - 75]، أي لولا تثبيتُنا لك لقد كدتَ تركَنُ إليهم بعضَ الشَّيء، ولو فعلتَ (2) لأذقناك ضِعْفَ عذاب الحياة وضِعْفَ عذاب الممات، أي أضعفنا لك العذابَ في الدُّنيا والآخرة؟
وقال تعالى: {(43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ} [الحاقة: 44 - 46]. أي لو أتى بشيءٍ من عند نفسه لأخذنا بيمينه، وقطعنا نياطَ قلبه وأهلكناه. وقد أعاذه الله من هذا (3) الرُّكون إلى أعدائه بذرَّةٍ من قلبه، ومن التَّقوُّل عليه سبحانه. وكم من راكنٍ إلى أعدائه ومتقوِّلٍ عليه من