![الجامع لعلوم الامام ابن القيم](https://ibnelqayem.com/themes/Ibn-Qaim/frontend/Ibn-Qaim/assets/images/logo.png)
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)
مدارج السالكين في منازل السائرين
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
{فَاسْتَغْفِرُوهُ (1) ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} [هود: 61]، وقول شعيبٍ: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود: 90].
فالاستغفارُ المفردُ كالتَّوبة، بل هو التَّوبة نفسُها، مع تضمُّنه طلبَ المغفرة من الله. وهي محوُ الذّنب، وإزالةُ أثره، ووقايةُ شرِّه، لا كما ظنَّه بعضُ النّاس أنَّها السَّتْر، فإنَّ الله يستُر على من يغفر له ومن لا يغفر له، ولكنَّ السَّترَ لازمُ مسمَّاها أو جزؤه، فدلالتُها عليه إمّا بالتّضمُّن وإمّا باللُّزوم. وحقيقتها: وقاية شرِّ الذَّنب، ومنه المِغْفَر، لما يقي الرَّأسَ من الأذى، والسَّترُ لازمٌ لهذا المعنى، وإلّا فالعِمامةُ لا تسمّى مِغْفرًا، ولا القُبْعُ (2) ونحوه مع ستره، فلا بدَّ في لفظ المِغْفَر من الوقاية.
وهذا الاستغفار الذي يمنع العذابَ في قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ} [الأنفال: 33]، فإنَّ الله لا يعذِّب مستغفرًا. وأمَّا من أصرَّ على الذَّنب، وطلَب من الله مغفرتَه، فهذا ليس باستغفارٍ مطلقٍ، ولهذا لا يمنع العذاب.
فالاستغفار يتضمَّن التَّوبةَ، والتَّوبةُ تتضمَّن الاستغفارَ، وكلُّ واحدٍ منهما يدخل في مسمَّى الآخر عند الإطلاق. وأمَّا عند اقتران إحدى اللَّفظتين بالأخرى، فالاستغفارُ: طلبُ وقايةِ شرِّ ما مضى، والتَّوبةُ: الرُّجوعُ وطلبُ وقاية شرِّ ما يخافه في المستقبل من سيِّئات أعماله.