مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)
مدارج السالكين في منازل السائرين
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
الجمعيَّة، فإنّهم تشتدُّ نفرتُهم منهم، ويعيبون عليهم، ويُزْرُون بهم.
وقد يسمُّون مَن رأوه كثيرَ الصّلاة "ثقاقيلَ الحُصُر" (1)، ومن رأوه كثيرَ الطَّواف "حُمُرَ المَدار" (2)، ونحو هذا.
وقد أخبرني من رأى ابن سبعين قاعدًا في طرف (3) المسجد الحرام، وهو يسخَر من الطائفين ويذمُّهم، ويقول: كأنّهم الحُمُر حول المَدار، أو نحو هذا، وكان يقول: إقبالُهم على الجمعيّة أفضَلُ لهم.
ولا ريبَ أنَّ هؤلاء مُؤْثِرون لحظوظهم على حقوق ربِّهم، واقفون مع أذواقهم ومواجيدهم، فانين بها عن حقِّ الله ومراده.
وسمعتُ شيخَ الإسلام ابنَ تيميّة قدَّس الله روحَه يحكي عن بعض العارفين أنّه قال: العامَّةُ تعبُد الله، وهؤلاء يعبدون نفوسَهم (4).
وصدق - رحمه الله -، فإنَّ هؤلاء المستكثرينَ من الطَّاعة الذّائقينَ لرَوْح العبادة الرَّاجينَ ثوابَها قد رُفِعَ لهم علَمُ الثّواب، وأنّه مسبَّبٌ عن الأعمال، فشمَّروا إليه راجين أن تُقبَل منهم أعمالُهم ــ على عيبها ونقصها ــ بفضل الله، خائفين أن تُردَّ عليهم، إذ لا تصلُح لله ولا تليقُ به، فيردَّها بعدله وحقِّه. فهم