
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)
مدارج السالكين في منازل السائرين
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
والأذى والرِّياء مستقرٌّ في العقول، فلذلك نبَّهها على شبهه ومثاله (1).
وعكسُ ذلك قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 265]. فإن كانت هذه الجنّة التي بموضعٍ عالٍ حيث لا تحجب عنها الشّمسُ والرِّياحُ، وقد أصابها مطرٌ شديدٌ، فأخرجت ثمرَها (2) ضعفَيْ ما يُخرج غيرُها= إن كانت مستحسنةً في العقل والحسِّ، فكذلك نفقةُ من أنفق ماله لوجه الله، لا للجزاء من الخلق ولا شكورهم (3)، بثباتٍ من نفسه وقوّةٍ على الإنفاق، لا يُخرج النّفقةَ وقلبهُ يرجُف على خروجها، ويداه ترتعدانِ (4)، ويضعفُ قلبه ويخورُ عند الإنفاق، بخلاف نفقة صاحب التَّثبيت والقوَّة (5).
ولمَّا كان النَّاسُ في الإنفاق على هذين القسمين كان مثلُ نفقة صاحب الإخلاص والقوَّة والتَّثبيت كمثل الوابل، ومثلُ نفقة الآخر كمثل الطَّلِّ، وهو المطر الضّعيف. فهذا بحسب كثرة الإنفاق وقلَّته، وكمال الإخلاص والقوَّة واليقين فيه وضَعفِه. أفلا تراه سبحانه نبَّه العقولَ على ما فيها من استحسان