مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)
مدارج السالكين في منازل السائرين
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
مخالفتهم. قال تعالى (1): {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10].
وكم يقول لهم في كتابه: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ}، {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}! فينبِّههم على ما في عقولهم وفِطَرهم من الحسَن والقبيح، ويحتجُّ عليهم بها، ويخبر أنّه أعطاهموها لينتفعوا بها ويميِّزوا بها بين الحسن والقبيح والحقِّ والباطل.
وكم في القرآن من مثلٍ عقليٍّ وحسِّيٍّ ينبِّه به العقولَ على حسن ما أمر به، وقبح ما نهى عنه؛ فلو لم يكن في نفسه كذلك لم يكن لضرب الأمثال للعقول معنًى، ولكان إثباتُ ذلك بمجرَّد الأمر والنّهي دون ضربِ الأمثال وتبيينِ جهة القبح المشهودة بالحسِّ والعقل.
والقرآن مملوءٌ بهذا لمن تدبَّره، كقوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم: 28]. يحتجُّ سبحانه عليهم بما في عقولهم من قبحِ كونِ مملوكِ أحدهم شريكًا له. فإذا كان أحدكم يستقبح أن يكون مملوكُه شريكَه، ولا يرضى بذلك، فكيف تجعلون لي من عبيدي شركاء تعبدونهم كعبادتي؟ وهذا يبيِّن (2) أنَّ قبحَ عبادة غيره تعالى مستقِرٌّ (3) في العقول والفِطَر، والسَّمعُ