مدارج السالكين ج1

مدارج السالكين ج1

11604 14

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]

تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير 

الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)

الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)

عدد الصفحات: 610 

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

أجزاء الكتاب

مشاركة

فهرس الموضوعات

آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)

مدارج السالكين في منازل السائرين

تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)

دار عطاءات العلم - دار ابن حزم

الصفحة

1/ 129

الأعلى، إذ هذا شأنُ الجواد من الخلق، فإنّه يحصل له من الفرحة والسُّرور والابتهاج واللَّذَّة بعطائه وجُوده فوقَ ما يحصل لمن يعطيه؛ ولكنَّ الآخذَ غائبٌ بلذّة أخذه (1) عن لذّة المعطي وابتهاجه وسروره. هذا مع حاجته (2) إلى ما يعطيه وفقره إليه، وعدمِ وثوقه باستخلاف مثله، وخوفِ الحاجة إليه عند ذهابه، والتّعرُّضِ لذلِّ الاستعانة بنظيره أو مَن هو دونه، ونفسُه قد طُبِعت على الحرص والشُّحِّ. فما الظّنُّ بمن تقدَّس وتنزَّه عن ذلك كلِّه؟ ولو أنَّ أهلَ سماواته وأرضه، وأوّلَ خلقه وآخرَهم، وإنسَهم وجنَّهم، ورطبَهم ويابسَهم، قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوه، فأعطى كلًّا منهم ما سأله= ما نقَص ذلك ممَّا عنده مثقالَ ذرّةٍ.

وهو الجواد لذاته، كما أنّه الحيُّ لذاته، العليمُ لذاته، السَّميعُ البصيرُ لذاته (3)، فجوده العالي من لوازم ذاته. والعفوُ أحبُّ إليه من الانتقام، والرّحمةُ أحبُّ إليه من العقوبة، والفضلُ أحبُّ إليه من العدل، والعطاءُ أحبُّ إليه من المنع. فإذا تعرَّض عبدُه ومحبوبُه الذي خلَقه لنفسه، وأعدَّ له أنواعَ كرامته، وفضَّله على غيره، وجعلَه محلَّ معرفته، وأنزل إليه كتابه، وأرسل إليه رسوله، واعتنى بأمره ولم يهمله، ولم يتركه سدًى= فتعرَّض لغضبه، وارتكب مساخطَه وما يكرهه، وأبَق منه، ووالى عدوَّه، وظاهَره عليه، وتحيَّز إليه، وقطَع طريقَ نعمه وإحسانه إليه التي هي أحبُّ شيءٍ إليه، وفتَح طريقَ العقوبة والانتقام والغضب= فقد استدعى من الجواد الكريم خلافَ ما هو

الصفحة

332/ 610

مرحباً بك !
مرحبا بك !