مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)
مدارج السالكين في منازل السائرين
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
{بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} [الحجرات: 17]. وقال: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام: 149]. والحكمُ الكونيُّ متضمِّنٌ أيضًا لمنّته وحجّته. فإذا حَكَم له كونًا حُكمًا مصحوبًا باتِّصال الحكم الدِّينيِّ به فهو منّةٌ منه عليه. وإن لم يصحبه الدِّينيُّ فهو حجّةٌ منه عليه. وكذلك حكمُه الدِّينيُّ إذا اتَّصل به حكمُه الكونيُّ، فوفَّقه للقيام به، فهو منّةٌ منه عليه. وإن تجرّدَ عن حكمه الكونيِّ صار حجّةً منه عليه. فالمنّةُ باقتران أحد الحكمين بصاحبه، والحجّةُ في تجرُّد أحدهما عن الآخر.
فكلُّ علمٍ صَحِبه عملٌ يُرضيه سبحانه فهو منّةٌ، وإلّا فهو حجّةٌ.
وكلُّ قوّةٍ ظاهرةٍ أو باطنةٍ صَحِبها تنفيذٌ لمرضاته وأوامره فهي منّةٌ، وإلّا فهي حجّةٌ.
وكلُّ حالٍ صَحِبه تأثيرٌ في نصرة دينه والدّعوة إليه فهو منّةٌ (1)، وإلّا فهو حجّةٌ.
وكلُّ مالٍ اقترن به إنفاقٌ في سبيل الله وطاعته، لا لطلب الجزاء ولا للشُّكور، فهو منّةٌ من الله عليه، وإلّا فهو حجّةٌ.
وكلُّ فراغٍ اقترن به اشتغالٌ بما يريد الرَّبُّ من عبده فهو منّةٌ عليه، وإلّا فهو حجّةٌ.
وكلُّ قَبولٍ في النّاس وتعظيمٍ ومحبّةٍ، اتّصل به خضوعٌ للرَّبِّ وذلٌّ