
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)
مدارج السالكين في منازل السائرين
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
وكلُّ واحدةٍ من الطّائفتين المنحرفتين تركت نوعًا من الحقِّ، ارتكبت (1) لأجله نوعًا من الباطل، بل أنواعًا! وهدى الله أهلَ السُّنّة لما اختلفوا فيه من الحقِّ بإذنه. {مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} [البقرة: 213] و {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 21].
فصل
الصِّنف الثالث: الذين زعموا أنّ فائدةَ العبادة رياضةُ النُّفوس، واستعدادُها لفيض العلوم عليها، وخروجُ قواها عن قوى النُّفوس السَّبعيّة والبهيميّة؛ فلو عطِّلت عن العبادات لكانت من جنس نفوس السِّباع والبهائم. فالعباداتُ تُخْرِجُها عن مألوفها وعوائدها، وتنقلُها إلى مشابهة العقول المجرَّدة، فتصير عالمةً قابلةً لانتقاش صور العلوم والمعارف فيها.
وهذا تقوله طائفتان: إحداهما: من تقرَّبَ إلى النُّبوّات والشّرائع من الفلاسفة القائلين بقدم العالم، وعدم انشقاق الأفلاك، وعدم الفاعل المختار.
والطائفة الثانية: من تفلسف من صوفيّة الإسلام وتقرَّب إلى الفلاسفة، فإنّهم يزعمون أنَّ العباداتِ رياضاتٌ لاستعداد النُّفوس وتجرُّدها، ومفارقتها العالمَ الحسِّيَّ، ونزول الواردات والمعارف عليها.
ثمّ من هؤلاء من لا يوجب العبادات إلّا لهذا المعنى، فإذا حصل لها بقي مخيَّرًا في حفظ أوراده، أو الاشتغال بالوارد عنها.