{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 6].
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (26)]
حققه: محمد أجمل أيوب الإصلاحي
خرج أحاديثه: كمال بن محمد قالمي
راجعه: سعود بن عبد العزيز العريفي - جديع بن محمد الجديع
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 868
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
تحقيق نسبة الكتاب كتاب الروح من أشهر كتب ابن القيم. ذكره المترجمون له ضمن مؤلفاته، وأقبل على نسخه الورَّاقون، واستفاد منه أهل العلم على اختلاف مذاهبهم وطبقاتهم وعلى تباعد أزمانهم وبلدانهم. فمنهم من تلمذ لابن القيم، ومنهم من عاصره. ومنهم الحنبلي والشافعي والحنفي، ومنهم الشامي والمصري والعراقي والنجدي واليماني. ومنهم من اختصره أو لخصه وأعاد ترتيبه، ومنهم من اقتصر على النقل منه. ومنهم من أعجب به وأثنى عليه. ولكن لم نر منهم من القرن الثامن إلى القرن الرابع عشر مَن تردّد في نسبة الكتاب إلى ابن القيم. بل ألفيناهم جميعًا مطبقين على عزوه إليه عزوًا صريحًا، حتى كانت سنة 1384، إذ ظهر في مجلة "الهدي النبوي" الصادرة في القاهرة عنوان "هل كتاب الروح ليس لابن القيم؟ ". وذلك في ذيل الحلقة الثالثة من سلسلة مقالات الشيخ محمد نجيب المطيعي رحمه الله في تعقب أحاديث وحكايات واردة في كتاب الروح (1). قال الشيخ: "سألني أخي الأستاذ جميل غازي رئيس قسم الثقافة والتوجيه المعنوي بالعلاقات العامة بمحافظة الدقهلية عما إذا كان هذا الكتاب (الروح) هو لابن القيم قطعًا، أم أنه منسوب إليه؟ وهل هذا الكتاب يتفق مع منهج ابن القيم الذي عُرف بالدقة والضبط والتثبت؟ فأقول: إن هذا الكتاب لابن القيم يقينًا، وذلك للأسباب الآتية".
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ الحمد لله العلي العظيم، الحليم الحكيم، الغفور الرحيم. الحمد لله ربِّ العالمين. الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين. لقد (1) خلق الإنسان من سُلالة من طين. ثم جعله نطفة في قرارٍ مكين. ثم خلق النطفةَ عَلَقةً سوداءَ للناظرين. ثم خلق العلقةَ مُضغةً، وهي قطعة لحم بقدر أكلة الماضغين. ثم خلق المضغةَ عظامًا مختلفةَ المقادير والأشكال أساسًا يقوم عليه هذا البناءُ المتين (2). ثم كسا العظامَ لحمًا هو لها كالثوب لِلَّابسين. ثم أنشأ خلقًا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين. فسبحان مَن شملت قدرتُه كلَّ مقدور. وجرت مشيئتُه في خلقه بتصاريف الأمور. وتفرَّد بمُلك السماوات والأرض، يخلق ما يشاء.
{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 6].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهًا جلَّ عن المثيل والنظير. وتعالى عن الشريك والظهير. وتقدَّس عن شبه خلقه، فـ
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].