{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 6].

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (26)]
حققه: محمد أجمل أيوب الإصلاحي
خرج أحاديثه: كمال بن محمد قالمي
راجعه: سعود بن عبد العزيز العريفي - جديع بن محمد الجديع
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 868
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
7) في آخر كتاب الروح باب طويل في الفروق، ولكن الفروق الثمانية التي ختم بها الكتاب هي خلاصة القواعد التي قامت عليها دعوة شيخ الإسلام وأصحابه في إصلاح الأمة والرجوع بها إلى الكتاب والسنة في العقيدة والعبادات والمعاملات والسلوك جميعًا. فالفروق الثلاثة: "الفرق بين توحيد المرسلين وتوحيد المعطلين، والفرق بين تنزيه الرسل وتنزيه المعطلة، والفرق بين إثبات حقائق الأسماء والصفات وبين التشبيه والتمثيل" تدور حول التوحيد. و"الفرق بين تجريد متابعة المعصوم وبين إهدار أقوال العلماء وإلغائها، والفرق بين الحكم المنزل الواجب الاتباع والحكم المؤول الذي نهايته أن يكون جائز الاتباع عند الضرورة ولا درك على مخالفه" حول تقليد الأئمة الفقهاء المجتهدين. و"الفرق بين تجريد التوحيد وبين هضم أرباب المراتب، والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، والفرق بين الحال الإيماني والحال الشيطاني" حول التصوف. ومعظم مؤلفات ابن القيم دائرة على هذه المحاور، فلا يخفى على من له شيء من الأنسة بكتبه أن كتاب الروح أيضًا قد خرج من المعدن نفسه. 8) ابن القيم رحمه الله معروف بطول النفس وإشباع الكلام والاستطراد، وبعض المباحث التي يستطرد إليها يكون أهم من الموضوع الأصلي الذي عقد الكلام عليه، وكثيرًا ما ينبه في آخر هذه الفصول والمباحث الطويلة على أن أهميتها وشدة الحاجة إليها هي التي اقتضت الإطالة فيها. فقال في كتاب الروح بعدما أورد فصولًا كثيرة في الفروق: "ولا تستطل هذا الفصل فلعله من أنفع فصول الكتاب والحاجة إليه شديدة ... ".
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ الحمد لله العلي العظيم، الحليم الحكيم، الغفور الرحيم. الحمد لله ربِّ العالمين. الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين. لقد (1) خلق الإنسان من سُلالة من طين. ثم جعله نطفة في قرارٍ مكين. ثم خلق النطفةَ عَلَقةً سوداءَ للناظرين. ثم خلق العلقةَ مُضغةً، وهي قطعة لحم بقدر أكلة الماضغين. ثم خلق المضغةَ عظامًا مختلفةَ المقادير والأشكال أساسًا يقوم عليه هذا البناءُ المتين (2). ثم كسا العظامَ لحمًا هو لها كالثوب لِلَّابسين. ثم أنشأ خلقًا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين. فسبحان مَن شملت قدرتُه كلَّ مقدور. وجرت مشيئتُه في خلقه بتصاريف الأمور. وتفرَّد بمُلك السماوات والأرض، يخلق ما يشاء.
{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 6].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهًا جلَّ عن المثيل والنظير. وتعالى عن الشريك والظهير. وتقدَّس عن شبه خلقه، فـ
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].