زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد السادس
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 531
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الأجنبيِّ حتَّى تَعقِله القلوب وتُخبِر به الألسنة وتعمل به الجوارح؟ أهو السَّلام عليه إذا لقيه، وعيادته إذا مرض، وتشميته إذا عطس، وإجابته إذا دعاه، فإنكم لا توجبون شيئًا من ذلك إلا ما يجب نظيره للأجنبيِّ على الأجنبيِّ؟ وإن كانت (1) هذه الصِّلة تركَ ضرْبِه وسبِّه وأذاه والإزراء (2) به ونحو ذلك، فهذا حقٌّ يجب لكلِّ مسلمٍ على كلِّ مسلمٍ، بل للذِّمِّيِّ البعيد على المسلم، فما خصوصيَّة صلة الرَّحم الواجبة؟ ولهذا كان بعض فضلاء المتأخِّرين يقول (3): أعياني أن أعرف صلة الرَّحم الواجبة. ولمَّا أورد النَّاس هذا على أصحاب مالك وقالوا لهم: ما معنى صلة الرَّحم عندكم؟ صنَّف بعضهم في صلة الرَّحم كتابًا كبيرًا، وأوعب فيه من الآثار المرفوعة والموقوفة، وذكر جنس الصِّلة وأنواعها وأقسامها، ومع هذا فلم يتخلَّص من هذا الإلزام، فإنَّ الصِّلة معروفةٌ يعرفها الخاصُّ والعامُّ، والآثار فيها أشهر من العَلَم، ولكن ما الصِّلة الَّتي يختصُّ بها الرَّحِم وتجب له لرحِمِه (4) ولا يشاركه فيها الأجنبيُّ؟ فلا يُمكِنكم أن تُعيِّنوا وجوب شيءٍ إلا وكانت النَّفقة أوجبَ منه، ولا يُمكِنكم أن تذكروا مُسقِطًا لوجوب النَّفقة إلا وكان ما عداها أولى بالسُّقوط منه، والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قد قَرنَ حقَّ الأخ والأخت بالأب والأمِّ فقال: «أمَّك وأباك، وأختَك وأخاك، ثمَّ أدناك فأدناك» (5)، فما