زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد السادس
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 531
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الحيضة، كذلك قال ابن عبد البرِّ، وقال (1): قولهم: إنَّ استبراء الأمة حيضةٌ بإجماعٍ ليس كما ظنُّوا، بل جائزٌ لها عندنا أن تنكح إذا دخلت في الحيضة، واستيقنت أنَّ دمها دم حيضٍ، كذلك قال إسماعيل بن إسحاق ليحيى بن أكثم حين أُدخِلَ عليه في مناظرته إيَّاه.
قلنا: هذا يردُّه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تُوطَأ حاملٌ حتَّى تَضَعَ، ولا حائلٌ حتَّى تُستبرأ بحيضةٍ» (2).
وأيضًا فالمقصود الأصليُّ (3) من العدَّة إنَّما هو استبراء الرَّحم، وإن كان لها فوائد أخر، ولشرف الحرَّة المنكوحة وخَطَرِها جُعِل العَلَم الدَّالُّ على براءة رحمها ثلاثة أقراءٍ، فلو كان القرء هو الطُّهر لم يحصل بالقرء الأوَّل دلالةٌ، فإنَّه لو جامعها في الطُّهر ثمَّ طلَّقها ثمَّ حاضت= كان ذلك قرءًا محسوبًا من الأقراء عند من يقول: الأقراء الأطهار. ومعلومٌ أنَّ هذا لم يدلَّ على شيءٍ، وإنَّما الذي يدلُّ على البراءة الحيضُ الحاصل بعد الطَّلاق، ولو طلَّقها في طهرٍ لم يصبها فيه، فإنَّا نعلم (4) هنا براءة الرَّحم بالحيض الموجود قبل الطَّلاق، والعدَّة لا تكون قبل الطَّلاق؛ لأنَّها حكمه، والحكم لا يسبق سببَه. فإذا كان الطُّهر الموجود بعد الطَّلاق لا دلالة له على البراءة أصلًا، لم يجز إدخاله في العِدَد دالًّا (5) على براءة الرَّحم، وكان مثله كمثل شاهدٍ غير مقبولٍ،