زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد السادس
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 531
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
البعد، فكيف تُقدَّم قرابة الأمِّ وإن بعدتْ على الأب نفسه وعلى قرابته، مع أنَّ الأب وأقاربه أشفقُ على الطِّفل وأرعى لمصلحته من قرابة الأمِّ؟ فإنَّه ليس إليهم بحالٍ، ولا يُنسَب إليهم، بل هو أجنبيٌّ منهم، وإنَّما نسَبُه (1) وولاؤه إلى أقارب أبيه، وهم أولى به، يَعقِلون عنه، وينفقون عليه عند الجمهور، ويتوارثون بالتَّعصيب وإن بَعُدتِ القرابة بينهم، بخلاف قرابة الأمِّ، فإنَّه لا يثبت فيها ذلك، ولا توارُثَ فيها إلا في أمَّهاتها وأوَّلِ درجةٍ من فروعها وهم ولدُها، فكيف تُقدَّم هذه القرابة على الأب ومَن في جهته، ولا سيَّما إذا قيل بتقديم خالة الخالة على الأب نفسه وعلى أمِّه، فهذا القول ممَّا تأباه (2) أصول الشّريعة وقواعدها.
وهذا نظير إحدى الرِّوايتين عن أحمد في تقديم الأخت من (3) الأمِّ والخالة على الأب، وهذا أيضًا في غاية البعد ومخالفة القياس.
وحجَّة هذا القول: أنَّ كلتيهما تُدلِيان بالأمِّ المقدَّمة على الأب، فتُقدَّمان عليه. وهذا ليس بصحيحٍ، فإنَّ الأمَّ لمَّا سَاوت الأبَ في الدَّرجة، وامتازت عليه بكونها أقومَ بالحضانة، وأقدرَ عليها وأصبرَ، قُدِّمتْ عليه، وليس كذلك الأختُ من الأمِّ والخالةُ مع الأب، فإنَّهما لا يساويانه، وليس أحدٌ أقربَ إلى ولده منه، فكيف تُقدَّم عليه بنتُ امرأته أو أختها؟ وهل جعل الله الشَّفقة فيهما أكملَ منه؟ ثمَّ اختلف أصحاب الإمام أحمد في فهم نصِّه هذا على ثلاثة أوجهٍ: