زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد السادس
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 531
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ثمَّ ينتقض هذا بالعيب في العين المُؤْجَرة، فإنَّ المستأجر إذا دخل عليه أو علم به ثمَّ اختار ترك الفسخ لم يكن له الفسخُ بعد هذا، وتجدُّد حقِّه من الانتفاع كلَّ وقتٍ كتجدُّد حقِّ المرأة من النَّفقة سواءٌ، ولا فرق بينهما (1).
وأمَّا قوله: لو أسقطتْها قبل النِّكاح أو أسقطت المهر قبله لم يسقط، فليس إسقاط الحقِّ (2) قبل انعقاد سببه بالكلِّيَّة كإسقاطه بعد انعقاد سببه. هذا إن كان في المسألة إجماعٌ، وإن كان فيها خلافٌ فلا فرقَ بين الإسقاطين وسوَّينا بين الحكمين، وإن كان بينهما فرقٌ امتنع القياس.
وعنه روايةٌ أخرى: ليس لها الفسخ، وهذا قول أبي حنيفة وصاحبيه. وعلى هذا لا يلزمها تمكينُه من الاستمتاع؛ لأنَّه لم يُسلِّم إليها عوضَه فلم يلزمها تسليمه، كما لو أعسر المشتري بثمن المبيع لم يجب تسليمه إليه، وعليه تخليةُ سبيلها لتكتسب لها وتُحصِّل ما تنفقه على نفسها؛ لأنَّ في حبسها بغير نفقةٍ إضرارًا بها.
فإن قيل: فلو كانت مُوسِرةً، فهَلْ (3) يملك حبسها؟ قيل: قد قالوا أيضًا: لا يملك حبسها؛ لأنَّه إنَّما يملكه إذا كفاها المُؤْنةَ وأغناها عمَّا لا بدَّ لها منه من النَّفقة والكسوة، ولحاجته إلى الاستمتاع الواجب له عليها، فإذا انتفى هذا وهذا لم يملك حبْسَها، وهذا قول جماعةٍ من السَّلف والخلف.