زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد السادس
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 531
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل وليس من بيع الغرر بيع المغيَّبات في الأرض، كاللِّفت والجَزَر والفُجْل والقلقاس والبصل ونحوها، فإنَّها معلومةٌ بالعادة يعرفها أهل الخبرة بها، وظاهرها عنوان باطنها، فهو كظاهر الصُّبرة (1) مع باطنها. ولو قُدِّر أنَّ في ذلك غررًا، فهو غررٌ يسيرٌ يُغتَفر في جنب المصلحة العامَّة الَّتي لا بدَّ للنَّاس منها، فإنَّ ذلك غررٌ لا يكون موجبًا للمنع، فإنَّ إجارة الحيوان والدَّار والحانوت مُساناةً (2) لا تخلو عن غررٍ؛ لأنَّه يعرض (3) موت الحيوان، وانهدامُ الدَّار. وكذا دخول الحمَّام. وكذا الشُّرب من إناء (4) السِّقاء، فإنَّه غير مقدَّرٍ مع اختلاف النَّاس في قدره. وكذا بيوع السَّلم، وكذا بيع الصُّبرة العظيمة الَّتي لا يُعلم مكيلُها، وكذا بيع البيض والرُّمَّان والبطِّيخ والجوز واللَّوز والفُسْتق، وأمثال ذلك ممَّا لا يخلو من الغرر، فليس كلُّ غررٍ سببًا للتَّحريم.
والغرر إذا كان يسيرًا أو لا يمكن الاحتراز منه، لم يكن مانعًا من صحَّة العقد، فإنَّ الغرر الحاصل في أساسات الجدران، وداخل بطون الحيوان، وأجزاء (5) الثِّمار الَّتي بدا صلاح بعضها دون بعضٍ لا يمكن الاحتراز منه، والغرر الذي في دخول الحمَّام والشُّربِ من السِّقاء ونحوه غررٌ يسيرٌ، فهذان النَّوعان لا يمنعان البيع، بخلاف الغرر الكثير الذي يمكن الاحتراز منه، وهو