زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد السادس
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 531
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الأصناف عن تناول اسمه له، فهكذا لا يجوز إخراج صنفٍ من أصناف المسكر عن اسم الخمر، فإنَّه يتضمَّن محذورين: أحدهما: أن يُخرَج من كلامه ما قصد دخوله فيه.
والثَّاني: أن يُشرَع لذلك النَّوع الذي أُخرِج حكمٌ غير حكمه، فيكون تغييرًا لألفاظ الشَّارع ومعانيه، فإنَّه إذا سمَّى ذلك النَّوع بغير الاسم الذي سمَّاه به الشَّارع أزال عنه حكمَ ذلك المسمَّى، وأعطاه حكمًا آخر.
ولمَّا علم النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من أمَّته من يُبتلى بهذا ــ كما قال: «ليشربنَّ ناسٌ من أمَّتي الخمرَ يُسمُّونها بغير اسمها» (1) ــ قضى قضيَّةً كلِّيَّةً عامَّةً لا يتطرَّق إليها إجمالٌ ولا احتمالٌ، بل هي شافيةٌ كافيةٌ، فقال: «كلُّ مسكرٍ خمرٌ». هذا، ولو أنَّ أبا عبيدة والخليل وأضرابهما من أئمَّة اللُّغة ذكروا هذه الكلمة هكذا لقالوا: قد نصَّ أئمَّة اللُّغة على أنَّ كلَّ مسكرٍ خمرٌ، وقولهم حجَّةٌ. وسيأتي إن شاء الله عند ذكر هديه في الأطعمة والأشربة مزيدُ تقريرٍ لهذا (2)، وأنَّه لو لم يتناوله لفظه لكان القياس الصَّريح الذي استوى فيه الأصل والفرع من كلِّ وجهٍ حاكمًا بالتَّسوية بين أنواع المسكر في تحريم البيع والشُّرب، فالتَّفريق بين نوعٍ ونوعٍ تفريقٌ بين متماثلين من جميع الوجوه.