زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد السادس
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 531
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ذكر حكمه - صلى الله عليه وسلم - في العِدَد هذا الباب قد تولَّى الله سبحانه بيانَه في كتابه أتمَّ بيانٍ وأوضحَه وأجمعَه، بحيث لا تَشِذُّ عنه معتدَّةٌ، فذكر أربعة أنواعٍ من العِدَد، وهي جملة أنواعها: النَّوع الأوَّل: عدَّة الحامل بوضع الحمل مطلقًا بائنةً كانت أو رجعيَّةً، مفارقةً في الحياة، أو متوفًّى عنها، فقال: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]. وهذا فيه عمومٌ من ثلاث جهاتٍ: أحدها: عموم المُخبَر عنه، وهو أولات الأحمال، فإنَّه يتناول جميعهنَّ.
الثَّاني: عموم الأجل (1)، فإنَّه أضافه إليهنَّ، وإضافة اسم الجمع إلى المعرفة يَعُمُّ، فجعل وضْع الحمل جميعَ أجلهنَّ، فلو كان لبعضهنَّ أجلٌ غيره لم يكن جميعَ أجلهنَّ.
الثَّالث: أنَّ المبتدأ والخبر معرفتين (2)، أمَّا المبتدأ فظاهرٌ، وأمَّا الخبر ــ وهو قوله: {أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} ــ ففي تأويل مصدرٍ مضافٍ، أي: أجلُهنَّ وضْعُ حملِهنَّ، والمبتدأ والخبر إذا كانا معرفتين اقتضى ذلك حصْرَ الثَّاني في الأوَّل، كقوله: {النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)} [فاطر: 15].
وبهذا احتجَّ جمهور الصِّحابة على أنَّ الحامل المتوفَّى عنها عدَّتُها وضْعُ حملها، ولو وضعتْه والزَّوجُ على المغتَسَل، كما أفتى به النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لسُبَيعةَ