زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الخامس
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: علي بن محمد العمران - محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 592
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وثبت عنه في «الصَّحيح» (1) أنَّه قال: «لا تُنكَح البكر حتَّى تُستأذن»، قالوا: يا رسول اللَّه، وكيف إذنها؟ قال: «أن تسكت».
وفي «صحيح مسلم» (2): «والبكر تُستأذن في نفسها، وإذنها صُماتها».
وموجَب هذا الحكم أنَّه لا تُجبَر البكر البالغ على النِّكاح، ولا تُزوَّج إلا برضاها، وهذا قول جمهور السَّلف، ومذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الرِّوايات (3) عنه (4)، وهو القول الذي ندينُ الله به، ولا نعتقد سواه، وهو الموافق لحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأَمْره ونهيه، وقواعد شريعته، ومصالح أمَّته.
أمَّا موافقته لحكمه، فإنَّه حَكَم بتخيير البكر الكارهة، وليس رواية هذا الحديث مرسلةً بِعِلَّةٍ فيه، فإنَّه قد رُوي مسندًا ومرسلًا، فإن قلنا بقول الفقهاء: إنَّ الاتصال زيادةٌ، ومَن وصَلَه مقدَّمٌ على من أرسله، فظاهرٌ، وهذا تصرُّفهم في غالب الأحاديث، فما بال هذا خرج عن حُكْم أمثاله؟! وإن حكمنا بالإرسال كقول كثيرٍ من المحدِّثين، فهذا مرسلٌ قويٌّ قد عضَدَتْه الآثارُ الصَّحيحة الصَّريحة، والقياس، وقواعد الشَّرع، كما سنذكره، فيتعيَّن القول به.
وأمَّا موافقة هذا القول لأمره، فإنه قال: «والبكر تُستأذن»، وهذا أمرٌ مؤكَّدٌ؛ لأنَّه ورد بصيغة الخبر الدَّالِّ على تحقُّق (5) المُخْبَر به وثبوتُه ولزومُه،