زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الخامس
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: علي بن محمد العمران - محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 592
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وتلك شَكاةٌ ظاهرٌ عنك عارُها (1) على أنَّ الشَّافعيَّ - رحمه الله - لم يتناقض، فإنَّه فرَّق بين نكولٍ مجرَّدٍ لا قوَّة له، وبين نكولٍ قد قارنه التعانٌ مؤكَّدٌ مكرَّرٌ أقيم في حقِّ الزَّوج مقامَ البيِّنة، مع شهادة الحال بكراهة الزَّوج لزِنا امرأته وفضيحتِها، وخرابِ بيته (2)، وإقامةِ نفسه وحبِّه في ذلك المقامَ العظيم بمشهد المسلمين، يدعو على نفسه باللَّعنة إن كان كاذبًا بعد حلفه بالله جهدَ أيمانه أربع مرَّاتٍ إنَّه لمن الصَّادقين. فالشَّافعيُّ - رحمه الله - إنَّما حكم بنكولٍ قد قارنَه ما هذا شأنه، فمن أين يلزمه أن يحكم بنكولٍ مجرَّدٍ؟ قالوا: وأمَّا قولكم: إنَّها لو أقرَّت بالزِّنا ثمَّ رجعت لسقط عنها الحدُّ، فكيف يجب بمجرَّد امتناعها من اليمين؟ فجوابه (3): ما تقرَّر آنفًا.
قالوا: وأمَّا قولكم: إنَّ العذاب المدروءَ (4) عنها بلعانها هو عذاب الحبس أو غيره، فجوابه: أنَّ العذاب المذكور إمَّا عذاب الدُّنيا أو عذاب الآخرة، وحمْلُ الآية على عذاب الآخرة باطلٌ قطعًا، فإنَّ لعانها لا يَدْرؤه إذا وجب عليها، وإنَّما هو عذاب الدُّنيا، وهو الحدُّ قطعًا، فإنَّه عذاب المحدود، وهو فداءٌ له من عذاب الآخرة، ولهذا شرعه سبحانه طُهْرةً وفديةً من ذلك العذاب، كيف وقد صرَّح به في أوَّل السُّورة بقوله: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2]، ثمَّ أعاده