زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الخامس
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: علي بن محمد العمران - محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 592
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ويراجعها بغير عددٍ، فنُسِخ ذلك وقُصِر على ثلاثٍ، فبها تنقطع الرَّجعة، فأين في ذلك الإلزامُ بالثَّلاث بفمٍ واحدٍ؟ ثمَّ كيف يستمرُّ المنسوخ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وصدرًا من خلافة عمر، لا تعلم به الأمة وهو من أهمِّ الأمور المتعلِّقة بحِلِّ الفروج؟ ثمَّ كيف يقول عمر: إنَّ النَّاس قد استعجلوا في شيءٍ كانت لهم فيه أَناةٌ (1)؟ وهل للأمة أناةٌ في المنسوخ بوجهٍ ما؟! ثمَّ كيف يُعارَضُ الحديث الصَّحيح بهذا الذي فيه عليُّ بن الحسين بن واقدٍ، وضعفه معلومٌ؟ وأمَّا حَمْلكم الحديثَ على قول المطلِّق: أنت طالقٌ، أنت طالقٌ، أنت طالقٌ، ومقصوده التَّأكيدُ بما بعد الأوَّل، فسياق الحديث من أوَّله إلى آخره يردُّه، فإنَّ هذا الذي أوَّلتم الحديث عليه لا يتغيَّر بوفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يختلف على عهده وعهد خلفائه، وهلمَّ جرًّا إلى آخر الدَّهر، ومن ينويه في قصد التَّأكيد لا يُفرِّق بين برٍّ وفاجرٍ، وصادقٍ وكاذبٍ، بل يردُّه إلى نيَّته، وكذلك من لا يقبله في الحكم لا يقبله مُطلَقًا برًّا كان أو فاجرًا.
وأيضًا فإنَّ قوله: «إنَّ النَّاس قد استعجلوا وتتايعوا في شيءٍ كانت لهم فيه أناةٌ، فلو أنَّا أمضيناه عليهم» إخبارٌ من عمر بأنَّ النَّاس قد استعجلوا ما جعلهم الله في فُسْحةٍ منه، وشرعَه متراخيًا بعضُه عن بعضٍ رحمةً بهم، ورفقًا وأناةً لهم، لئلَّا يندم مُطلِّقٌ، فيذهبَ حبيبُه من يديه من أوَّل وَهْلةٍ، فيَعِزُّ عليه تداركُه، فجعل له أناةً ومهلةً يستعتبه فيها ويُرضيه، ويزول ما أحدثه العَتْب الدَّاعي إلى الفراق، ويراجع كلٌّ منهما الذي عليه بالمعروف، فاستعجلوا فيما جعل لهم فيه أناةٌ ومهلةٌ، وأوقعوه بفمٍ واحدٍ، فرأى عمر - رضي الله عنه - أنَّه