
زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 616
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ولمَّا كان في الإنسان جزءٌ أرضيٌّ وجزءٌ مائيٌّ (1) وجزءٌ هوائيٌّ قسَم النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - طعامه وشرابه ونفَسه على الأجزاء الثَّلاثة.
فإن قيل: فأين حظُّ الجزء النَّاريِّ؟ قيل: هذه مسألةٌ تكلَّم فيها الأطبَّاء وقالوا: إنَّ في البدن جزءًا ناريًّا (2) بالفعل، وهو أحد أركانه وأُسْطُقُصَّاته (3). ونازعهم في ذلك آخرون من العقلاء من الأطبَّاء وغيرهم، وقالوا: ليس في البدن جزءٌ ناريٌّ بالفعل، واستدلَّوا بوجوهٍ: أحدها (4): أنَّ ذلك الجزء النَّاريَّ إمَّا أن يُدَّعى أنَّه نزل عن الأثير واختلط بهذه الأجزاء المائيَّة والأرضيَّة، أو يقال: إنَّه تولَّد فيها وتكوَّن. والأوَّل مستبعدٌ لوجهين أحدهما: أنَّ النَّار بالطَّبع صاعدةٌ، فلو نزلت لكانت بقاسرٍ من مركزها إلى هذا العالم. الثَّاني: أنَّ تلك الأجزاء النَّاريَّة لا بدَّ في نزولها أن تعبر على كرة الزَّمهرير الَّتي هي في غاية البرد (5)، ونحن نشاهد في