
زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 616
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
عليه. وحسنُ الفهم عن الله ورسوله منٌّ يمنُّ الله به على من يشاء من عباده.
فقد أوجدناك أصول الطِّبِّ الثَّلاثة في القرآن، وكيف تنكر أن تكون شريعة المبعوث بصلاح الدُّنيا والآخرة مشتملةً على صلاح الأبدان كاشتمالها على صلاح القلوب، وأنَّها مرشدةٌ إلى حفظ صحَّتها ودفع آفاتها بطرقٍ كلِّيَّةٍ، قد وُكِل تفصيلُها إلى العقل الصَّحيح والفطرة السَّليمة، بطريق القياس والتَّنبيه والإيماء، كما هو في كثيرٍ من مسائل فروع الفقه. ولا تكن ممَّن إذا جهل شيئًا عاداه! ولو رُزِق العبدُ تضلُّعًا (1) من كتاب الله وسنَّة رسوله وفهمًا تامًّا في النُّصوص ولوازمها لاستغنى بذلك عن كلِّ كلامٍ سواه، ولاستنبط جميعَ العلوم الصَّحيحة منه. فمدارُ العلوم كلِّها على معرفة الله وأمره وخلقه، وذلك مسلَّمٌ إلى الرُّسل صلوات الله وسلامه عليهم؛ فهم أعلمُ الخلق بالله وأمره وخلقه، وحكمتِه في خلقه وأمره. وطبُّ أتباعهم أصحُّ وأنفع من طبِّ غيرهم. وطبُّ أتباع (2) خاتمهم وسيِّدهم وإمامهم محمَّد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه أكملُ الطِّبِّ وأصحُّه وأنفعه. ولا يعرف هذا إلا من عرف طبَّ النَّاس سواهم وطبَّهم ثمَّ وازن بينهما، فحينئذٍ يظهر له التَّفاوت.
وهم أصحُّ الأمم عقولًا وفطرًا، وأعظمهم علمًا، وأقربهم في كلِّ شيءٍ إلى الحقِّ؛ لأنَّهم خيرة الله من الأمم، كما (3) رسولُهم خيرته من الرُّسل. والعلم الذي وهبهم إيَّاه والحكمة والحلم أمرٌ لا يدانيهم فيه غيرهم.