
زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 881
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
قلت: كان النجاشي يُخرج له خَرْجًا، فلما أسلم وصدق بمحمد - صلى الله عليه وسلم - قال: لا والله، لو سألني درهمًا واحدًا ما أعطيتُه، فبلغ هرقل قولُه فقال له يناق أخوه: أتدع عبدك لا يُخرج لك خرجًا ويدين دينًا محدَثًا؟ قال هرقل: رجل رغب في دينٍ فاختاره لنفسه ما أصنع به؟ والله لولا الضَّنُّ (1) بملكي لصنعتُ كما صنع. قال: انظر ما تقول يا عمرو! قلت: والله صَدَقتُك.
قال عبد: فأخبرني ما الذي يأمر به وينهى عنه؟ قلت: يأمر بطاعة الله عز وجل وينهى عن معصيته، ويأمر بالبر وصلة الرحم، وينهى عن الظلم والعدوان، وعن الزنا وشُرب الخمر، وعن عبادة الحجر والوثن والصليب. قال: ما أحسنَ هذا الذي يدعو إليه! لو كان أخي يتابعني لركبنا حتى نؤمن بمحمدٍ ونصدِّق به، ولكن أخي أَضَنُّ بملكه من أن يدعه ويصير ذَنَبًا، قلت: إنه إن أسلم ملَّكه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قومه، فأخذ الصدقة من غنيِّهم فردَّها على فقيرهم، قال: إن هذا لخلق حسن، وما الصدقة؟ فأخبرتُه بما فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الصدقات في الأموال حتى انتهيت إلى الإبل، فقال: يا عمرو، وتؤخذ من سوائم مواشينا التي ترعى الشجر وتَرِد المياه؟ فقلت: نعم، فقال: والله ما أرى قومي في بُعد دارهم وكثرة عددهم يطيعون بهذا.
قال: فمكثتُ ببابه أيامًا وهو يصل إلى أخيه فيخبره كلَّ خبري، ثم إنه دعاني يومًا فدخلتُ عليه فأخذ أعوانه بضَبْعيَّ، فقال: دعوه، فأُرسِلتُ، فذهبت لأجلس فأبوا أن يدعوني أجلس، فنظرت إليه فقال: تكلَّم بحاجتك، فدفعت إليه الكتاب مختومًا ففضَّ خاتمه [فقرأه] (2) حتى انتهى إلى آخره،