
زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 881
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ما نُهِيتْ عنه، ويحارِبْها في الله= لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج، وكيف يمكنه جهاد عدوِّه والانتصافُ منه وعدوُّه الذي بين جنبَيه قاهرٌ له متسلِّط عليه لم يجاهده ولم يحاربه في الله (1)؟! بل لا يمكنه الخروج إلى عدوِّه حتى يجاهد نفسه على الخروج.
فهذان عدوَّان قد امتُحن العبدُ بجهادهما، وبينهما عدوٌّ ثالث لا يمكنه جهادهما إلا بجهاده، وهو واقف بينهما يُثبِّط العبدَ عن جهادهما ويَخْذُله ويَرجُف به، ولا يزال يخيِّل له ما في جهادهما من المشاقِّ وتركِ الحظوظ وفوت اللذَّات والمشتهَيات، ولا يمكنه يجاهد (2) ذينك العدوَّين إلا بجهاده= كان (3) جهاده هو الأصلَ لجهادهما، وهو الشيطان؛ قال تعالى: {(5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: 6]. والأمر باتخاذه عدوًّا تنبيه على استفراغ الوسع في محاربته ومجاهدته، فإنه (4) عدو لا يَفْتُر ولا يَقْصُر عن محاربة العبد على عدد الأنفاس.
فهذه ثلاثة أعداءٍ أُمِر العبدُ بمحاربتها وجهادها، وقد بُلي العبد بمحاربتها في هذه الدار وسُلِّطت عليه امتحانًا من الله له (5) وابتلاءً،