
زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 881
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فلما أكثر عمرُ في شأنه قلت: مهلًا يا عمر، فوالله لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلتَ مثل هذا، قال: مهلًا يا عباس، فواللهِ لإسلامُك كان أحبَّ إليَّ من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحبَّ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إسلام الخطاب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اذهب به يا عباس إلى رحلك، فإذا أصبحت فأتني به»، فذهبت.
فلما أصبح (1) غدوتُ به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟» فقال: بأبي أنت وأمي ما أحلمَك وأكرمَك وأوصَلك! لقد ظننتُ أن لو كان مع الله إلهٌ غيرُه لقد أغنى شيئًا بعد، قال: «ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟» قال: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! أما هذه فإن في النفس حتى الآن منها شيئًا (2)، فقال له العباس: ويحك أسلِمْ واشهدْ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله قبل أن يضرب عنقك، فأسلم وشهد شهادةَ الحق، فقال العباس: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئًا، قال: «نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمِن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن» (3).