زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 881
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وأثبتت طائفة من السلف الولادة في الجنة، واحتجت بما رواه الترمذي في «جامعه» (1) من حديث أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمن إذا اشتهى الولدَ في الجنة كان حملُه ووضعُه وسِنُّه في ساعة كما يشتهي». قال الترمذي: «حسن غريب»، ورواه ابن ماجه.
قالت الطائفة الأولى: هذا لا يدل على وقوع الولادة في الجنة، فإنه علَّقه بالشرط فقال: «إذا اشتهى»، ولكنه لا يشتهي، وهذا تأويل إسحاق بن راهويه حكاه البخاري عنه (2). قالوا: والجنة دار جزاء على الأعمال، وهؤلاء ليسوا من أهل الجزاء. قالوا: والجنة دار خلود لا موت فيها، فلو توالَدَ فيها أهلُها على الدوام والأبد لما وسعتهم، وإنما وسعتهم الدنيا بالموت.
وأجابت الطائفة الأخرى عن ذلك كله وقالت: أداة (إذا) إنما تكون لمحقَّق الوقوع لا للمشكوك فيه، وقد صحَّ أن الله سبحانه ينشئ للجنة خلقًا يُسكنهم إياها بلا عمل منهم، قالوا: وأطفال المسلمين أيضًا فيها بغير عمل. وأما حديث سَعَتها، فلو رُزق كلٌّ منهم عشرة آلافٍ من الولد وَسِعَتْهم، فإن أدناهم من ينظر في ملكه مسيرة ألفي عام (3).