
زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 881
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ثم أرسل العباس غلامًا له إلى الحجاج وقال له: اخلُ به وقل له: ويلك! ما جئت به؟ وما تقول؟ فالذي وعد اللهُ خيرٌ مما جئت به، فلما كلمه الغلام قال له: أَقْرِ أبا الفضل السلامَ وقل له: فليخلُ لي (1) في بعض بيوته حتى آتيه، فإن الخبر على ما يسره، فلما بلغ العبدُ باب الدار قال: أبشر يا أبا الفضل، فوثب العباس فرحًا كأنه لم يصبه بلاء قط حتى جاءه وقبَّل ما بين عينيه، فأخبره بقول الحجاج، فأعتقه ثم قال: أخبرني، قال: يقول لك الحجاج: اخلُ له (2) في بعض بيوتك حتى يأتيك ظهرًا، فلما جاءه الحجاج وخلا به أخذ عليه لتكتُمَنَّ خبري، فوافقه عباس على ذلك، فقال له الحجاج: جئتُ وقد افتتح رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر وغنم أموالهم وجرت فيها سهام الله، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد اصطفى صفية بنت حُيَي لنفسه وأعرس بها، ولكن جئتُ لمالي أردت أن أجمعه وأذهب به، وإني استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقول فأذن لي (3)، فأخفِ علي ثلاثًا ثم اذكر ما شئتَ.
قال: فجمعتْ له امرأته متاعَه ثم انشمر راجعًا، فلما كان بعد ثلاث أتى العباسُ امرأةَ الحجاج فقال: ما فعل زوجك؟ قالت: ذهب، وقالت: لا يحزنك الله يا أبا الفضل، لقد شقَّ علينا الذي بلغك، فقال: أجل، لا يحزنني الله، ولم يكن بحمد الله إلا ما أُحبُّ: فتح الله على رسوله خيبر وجرت فيها سهام الله واصطفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفية لنفسه، وإن كان لكِ في زوجك حاجة فالحقي به، قالت: أظنك واللهِ صادقًا، قال: فإني والله صادق والأمر