
زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 881
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فلما رجع تعجَّل بعضُ القوم إلى أهليهم فأذن لهم، فتعجَّل عبدُ الله بن حُذافة السَّهمي فأمَّره على من تعجَّل، وكانت فيه دعابة، فنزلوا ببعض الطريق وأوقدوا نارًا يصطلون عليها، فقال: عزمتُ عليكم إلا تواثبتم في هذه النار، فقام بعض القوم فتحجَّزُوا (1) حتى ظَنَّ أنهم واثبون فيها فقال: اجلسوا إنما كنت أضحك معكم، فذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «مَن أمركم بمعصيةٍ فلا تطيعوه» (2).
قلت: في «الصحيحين» (3) عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سريةً واستعمل عليهم رجلًا من الأنصار وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، فأغضبوه فقال: اجمعوا لي حطبًا، فجمعوا، ثم قال: أوقدوا نارًا، ثم قال: ألم يأمركم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تسمعوا (4)؟ قالوا: بلى، قال: فادْخُلُوها، فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: إنما فررنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من النار، فكانوا كذلك حتى سكن غضبه وطفئت النار، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «لو دخلوها ما خرجوا منها أبدًا»، وقال: «لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف». فهذا فيه أن الأمير كان من الأنصار (5)، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أمَّره، وأن الغضب حمله على ذلك.