
زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 550
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وفي «الصَّحيحين» (1) عن مطرِّف قال: قال عمران بن حُصينٍ: إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بين حجٍّ وعمرةٍ، ثمَّ إنَّه لم ينهَ عنه حتَّى مات، ولم ينزل فيه قرآنٌ يحرِّمه. وفي روايةٍ عنه: «تمتَّع نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم - وتمتَّعنا معه». فهذا عمران وهو من أجلِّ السَّابقين الأوَّلين أخبر أنَّه تمتَّع، وأنَّه جمع بين الحجِّ والعمرة.
والقارن عند الصَّحابة متمتِّعٌ، ولهذا أوجبوا عليه الهدي، ودخل في قوله تعالى: {أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196]. وذكر حديث عمر: «أتاني آتٍ من ربِّي فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقلْ: عمرةٌ في حجَّةٍ» (2).
قال (3): فهؤلاء الخلفاء الرَّاشدون عمر وعثمان وعلي وعمران بن حُصينٍ، رُوي عنهم بأصحِّ الأسانيد أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرَنَ بين العمرة والحجِّ، وكانوا يسمُّون ذلك تمتُّعًا، وهذا أنس يذكر أنَّه سمع النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يلبِّي بالحجِّ والعمرة جميعًا.
وما ذكره بكر بن عبد الله المزنيُّ عن ابن عمر أنَّه «لبَّى بالحجِّ وحده»، فجوابه: أنَّ الثِّقات الذين هم أثبتُ في ابن عمر من بكر مثل سالمٍ ابنه ونافعٍ رووا عنه أنَّه قال: «تمتَّع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعمرة إلى الحجِّ»، وهؤلاء أثبت عن (4) ابن عمر من بكر. فتغليطُ بكرٍ عن ابن عمر أولى من تغليط سالم (5)