
زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 550
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فإن قيل: فقد ثبت في «صحيح البخاريِّ» (1) أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال لها: «ارفُضِي عمرتك، وانقُضِي رأسَك وامتشطي»، وفي لفظٍ آخر (2): «انقُضي رأسك وامتشطي، وأهلِّي بالحجِّ، ودعي العمرة»، وهذا صريحٌ في رفضها من وجهين، أحدهما: قوله ارفُضيها ودعيها، والثَّاني: أمره لها بالامتشاط.
قيل: معنى قوله «ارفضيها»: اتركي أفعالها والاقتصارَ عليها، وكوني في حجَّةٍ معها. ويتعيَّن أن يكون هذا المراد لقوله: «حللت منهما جميعًا» لمَّا قضتْ أعمال الحجِّ، وقولِه: «يسَعُكِ طوافُك لحجِّك وعمرتك»، فهذا صريحٌ أنَّ إحرام العمرة لم يَرتفِضْ (3)، وإنَّما رفضتْ أعمالَها والاقتصارَ عليها، وأنَّها بانقضاء حجِّها (4) انقضى حجُّها وعمرتها، ثمَّ أعمرَها من التَّنعيم تطييبًا لقلبها، إذ تأتي بعمرةٍ مستقلَّةٍ كصواحباتها.
ويُوضح ذلك إيضاحًا بيِّنًا ما روى مسلم في «صحيحه» (5) من حديث الزُّهريِّ، عن عروة عنها قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجَّة الوداع، فحِضتُ، فلم أزل حائضًا حتَّى كان يوم عرفة، ولم أُهِلَّ إلا بعمرةٍ، فأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أنقُضَ رأسي وأمتشط، وأُهِلَّ بالحجِّ، وأترك العمرة، قالت: ففعلتُ ذلك، حتَّى إذا قضيتُ حجِّي بعث معي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الرَّحمن بن أبي بكرٍ، وأمرني أن أعتمر من التَّنعيم مكانَ عمرتي الَّتي