زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 683
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30) زاد المعاد في هدي خير العباد تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ) دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
منها أكمل أسباب النعيم والسرور. وجعل خبيثات أقوال الآخرين وأعمالهم وأخلاقهم هي عين عذابهم وآلامهم، فأنشأ (1) لهم منها أعظم أسباب العقاب (2) والآلام؛ حكمةً بالغةً وعزةً قاهرةً، ليُرِيَ عبادَه كمالَ ربوبيته وكمالَ حكمته وعلمه وعدله ورحمته، ولِيُعلِمَ أعداءه أنهم كانوا هم الكاذبين المفترين، لا رسلُه البررة الصادقون. قال تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا} [النحل: 38 - 39].
والمقصود: أن الله تعالى جعل على السعادة والشقاوة عنوانًا يُعرَفان به. فالسعيد طيِّبٌ لا يليق به إلا طيِّب (3)، ولا يأتي إلا طيِّبًا، ولا يصدر منه إلا طيِّب، ولا يلابس إلا طيِّبًا. والشقي خبيث لا يليق به إلا الخبيث، ولا يأتي إلا خبيثًا، ولا يصدر منه إلا الخبيث؛ فالخبيث يتفجَّر من قلبه على لسانه وجوارحه. والطيِّبُ يتفجَّر من قلبه الطيِّبُ (4) على لسانه وجوارحه. وقد يكون في الرجل مادتان فأيهما غلب عليه كان من أهلها. فإن أراد الله به خيرًا طهَّره من المادة الخبيثة قبل الموافاة، فيوافيه يوم اللقاء مطهَّرًا فلا يحتاج إلى تطهيره بالنار،