
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (13)]
حققه: محمد أجمل الإصلاحي
خرج أحاديثه: زائد بن أحمد النشيري
راجعه: سعود بن عبد العزيز العريفي - علي بن محمد العمران
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات :956
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
صدرت عشرات الطبعات، وصوّرت مرّات ومرّات. وزعمت طبعتان منها -وهما طبعة دار ابن كثير بتحقيق يوسف علي البديوي، وطبعة دار البيان بتحقيق بشير محمد عيون- أنهما اعتمدتا على نسخة الظاهرية، وأثبتت الأخيرة أرقام أوراقها أيضًا في الحواشي، ولكن مقارنة متن الطبعتين بالنسخة المذكورة لا تصدّق دعواهما العريضة. ولو اعتمدت إحداهما عليها لكانت خليقةً بأن تكون أصحّ الطبعات، غير أنهما لم تزيدا على مراجعتها في مواضع متفرقة تحلّةً للقسم! وكان من فضل اللَّه سبحانه أن وفقني لإخراج هذه النشرة التي هي أول نشرة علمية للكتاب، وقد اعتمدت فيها على خمس نسخ خطيّة، أهمّها نسختان: إحداهما نسخة الظاهرية التي هي مسودة الكتاب بخط المصنف، والأخرى نسخة منقولة من نسخة المصنف حسب تصريح ناسخها. وقد تبيّن لي أنّ المؤلف رحمه اللَّه قد ترك الكتاب مسوّدة مع إضافاته وإلحاقاته الكثيرة، فلا أمكنه تبييضه، ولا قرئ عليه، ومن ثم قد بقي فيه من السهو وسبق القلم شيء كثير. وقد ضاع بعض كلامه أيضًا لكونه في أطراف الأوراق التي أكل منها البلى. وكان في خطه كذلك من السرعة وإهمال النقط وتداخل الكلمات وغيره ما يؤدي إلى صعوبة واختلاف في القراءة. وقد اجتهدت في قراءة النص مستعينًا بالنسخة المنقولة من الأصل وغيرها، ومستأنسًا بأسلوب المؤلف وعباراته المألوفة، وأرجو أن أكون قد وفقت في خدمة الكتاب وأدائه أداءً مقاربًا لما وضعه المؤلف رحمه اللَّه.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد للَّه الذي نَصَبَ الكائناتِ على ربوبيّته ووحدانيّته حُجَجًا، وحَجَبَ العقولَ والأبصارَ أن تجد إلى تكييفه منهجًا، وأوجب الفوزَ بالنجاة لمن شهد له بالوحدانية شهادةً لم يبغِ لها عوجًا، وجعل لمن لاذ به واتّقاه مِن كلِّ ضائقةٍ مخرجًا، وأعقبَ مِن ضيقِ الشدائدِ وضَنْكِ الأوابدِ لمن توكَّل عليه فرجًا، وجعل قلوبَ أوليائه متنقلةً في منازل عبوديته من الصبر والتوكّل والإنابة والتفويض والمحبّة والخوف والرَّجا.
فسبحان من أفاض على خلقه النعمة، وكتَب على نفسه الرحمة، وضمّن الكتابَ الذي كَتَبه أنّ رحمتَه تغلِبُ غضبَه. أسبغ على عباده نِعَمه الفُرادى والتُّؤام. وسخر لهم البرّ والبحر، والشمس والقمر، والليل والنهار، والعيون والأنهار، والضياءَ والظلام. وأرسل إِليهم رُسُله، وأنزل عليهم كُتُبه، يدعوهم إلى جواره في دار السلام. {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام/ 125].
فسبحان من أنْزَلَ على عَبْدِه الكتابَ ولَمْ يَجْعَلْ له عِوَجًا (1). ورفع لمن ائتمَّ به، فَأحلَّ حلالَهُ، وحرَّمَ حرامَهُ، وعمل بمحكمه، وآمن بمتشابهه، في مراقي السعادة درجًا. ووضع مَن (2) أعرض عنه، ولم