
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (13)]
حققه: محمد أجمل الإصلاحي
خرج أحاديثه: زائد بن أحمد النشيري
راجعه: سعود بن عبد العزيز العريفي - علي بن محمد العمران
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات :956
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
هذا الموضوع، وهو "شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل". فلو كان ألفه قبل طريق الهجرتين لأحال عليه في هذا، ولم يسهب ذلك الإسهاب. وهذا ينبئ بأن شفاء العليل ألّف بعد طريق الهجرتين. ويوجد في حاشية المؤلف على سنن أبي داود (12/ 315) بحث في القدر أيضًا، وهناك قال المؤلف: "وقد نظرت في أدلة إثبات القدر والردّ على القدرية والمجوسية، فإذا هي تقارب خمسمائة دليل. وإن قدر اللَّه تعالى أفردت لها مصنّفًا مستقلًا، وباللَّه عزّ وجلّ التوفيق". وهذا الكتاب الذي نوى المؤلف تأليفه هو "شفاء العليل" المذكور. ومن حسن الحظ قد عرفنا تاريخ تأليف حاشية السنن، إذ نصّ المؤلف في خاتمته للكتاب أنه فرغ من تأليفه في مكة في آخر شوّال سنة 732 هـ. فلما جاء بحث القدر في طريق الهجرتين ولم يشر المؤلف إلى كتاب شفاء العليل ولا نيته لإفراد الموضوع بتأليف مستقلّ، وبدا له ذلك في أثناء تهذيب مختصر السنن والتعليق عليه الذي فرغ منه سنة 732 هـ = علمنا أن طريق الهجرتين ألّف قبل سنة 732 هـ. واللَّه أعلم.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد للَّه الذي نَصَبَ الكائناتِ على ربوبيّته ووحدانيّته حُجَجًا، وحَجَبَ العقولَ والأبصارَ أن تجد إلى تكييفه منهجًا، وأوجب الفوزَ بالنجاة لمن شهد له بالوحدانية شهادةً لم يبغِ لها عوجًا، وجعل لمن لاذ به واتّقاه مِن كلِّ ضائقةٍ مخرجًا، وأعقبَ مِن ضيقِ الشدائدِ وضَنْكِ الأوابدِ لمن توكَّل عليه فرجًا، وجعل قلوبَ أوليائه متنقلةً في منازل عبوديته من الصبر والتوكّل والإنابة والتفويض والمحبّة والخوف والرَّجا.
فسبحان من أفاض على خلقه النعمة، وكتَب على نفسه الرحمة، وضمّن الكتابَ الذي كَتَبه أنّ رحمتَه تغلِبُ غضبَه. أسبغ على عباده نِعَمه الفُرادى والتُّؤام. وسخر لهم البرّ والبحر، والشمس والقمر، والليل والنهار، والعيون والأنهار، والضياءَ والظلام. وأرسل إِليهم رُسُله، وأنزل عليهم كُتُبه، يدعوهم إلى جواره في دار السلام. {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام/ 125].
فسبحان من أنْزَلَ على عَبْدِه الكتابَ ولَمْ يَجْعَلْ له عِوَجًا (1). ورفع لمن ائتمَّ به، فَأحلَّ حلالَهُ، وحرَّمَ حرامَهُ، وعمل بمحكمه، وآمن بمتشابهه، في مراقي السعادة درجًا. ووضع مَن (2) أعرض عنه، ولم