
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (13)]
حققه: محمد أجمل الإصلاحي
خرج أحاديثه: زائد بن أحمد النشيري
راجعه: سعود بن عبد العزيز العريفي - علي بن محمد العمران
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات :956
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
"ثم ذكر لي فصلًا عظيم النفع في التنالسب بين اللفظ والمعنى، ومناسبة الحركات لمعنى اللفظ، وأنهم في الغالب يجعلون الضمة التي هي أقوى الحركات للمعنى الأقوى. . . فيقولون: عز يعَز بفتح العين إذا صلب. وأرض عزاز: صلبة. . . " ونجد الفكرة بعينها مع تفسير الكلمة على هذا الوجه في منهاج السنة (3/ 325). ومنها القاعدة الأولى بعد باب الفقر والغنى، التي عنوانها: "قاعدة شريفة عظيمة القدر حاجة العبد إليها أعظم من حاجته إلى الطعام والشراب. . . ". وخلاصتها أن اللَّه عز وجل هو المعبود المطلوب المحبوب وحده، وهو المعين للعبد على حصول مطلوبه، وهو معنى قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. فقد بنى ابن القيم كلامه في هذه القاعدة إلى أول الفصل الثالث (116 - 133) على كلام شيخه، ونقل معظمه بنصه مع بسطه. وكذا فعل في الباب السادس من كتابه إغاثة اللهفان (70 - 96)، ولكنه رتبه هناك على نحو آخر، ولم يشر هنا ولا في الإغاثة إلى شيخ الإسلام. وكلام الشيخ في مجموع الفتاوى (1/ 21 - 33). ولا أستبعد أن يكون نقد ابن القيم لكتاب ابن العريف في علل المقامات مبنيًا على قاعدة الشيخ المذكورة في مؤلفاته، وقد سبقت الإشارة إليها. وفي آخر هذه الفقرة نشير إلى موضعين في تفسير قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ربنا ولك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد". ذكر في الموضع الأول (240) أن قوله: "ملء ما شئت من شيء بعد" يحتمل أمرين: أحدهما أن يملأ ما يخلقه
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد للَّه الذي نَصَبَ الكائناتِ على ربوبيّته ووحدانيّته حُجَجًا، وحَجَبَ العقولَ والأبصارَ أن تجد إلى تكييفه منهجًا، وأوجب الفوزَ بالنجاة لمن شهد له بالوحدانية شهادةً لم يبغِ لها عوجًا، وجعل لمن لاذ به واتّقاه مِن كلِّ ضائقةٍ مخرجًا، وأعقبَ مِن ضيقِ الشدائدِ وضَنْكِ الأوابدِ لمن توكَّل عليه فرجًا، وجعل قلوبَ أوليائه متنقلةً في منازل عبوديته من الصبر والتوكّل والإنابة والتفويض والمحبّة والخوف والرَّجا.
فسبحان من أفاض على خلقه النعمة، وكتَب على نفسه الرحمة، وضمّن الكتابَ الذي كَتَبه أنّ رحمتَه تغلِبُ غضبَه. أسبغ على عباده نِعَمه الفُرادى والتُّؤام. وسخر لهم البرّ والبحر، والشمس والقمر، والليل والنهار، والعيون والأنهار، والضياءَ والظلام. وأرسل إِليهم رُسُله، وأنزل عليهم كُتُبه، يدعوهم إلى جواره في دار السلام. {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام/ 125].
فسبحان من أنْزَلَ على عَبْدِه الكتابَ ولَمْ يَجْعَلْ له عِوَجًا (1). ورفع لمن ائتمَّ به، فَأحلَّ حلالَهُ، وحرَّمَ حرامَهُ، وعمل بمحكمه، وآمن بمتشابهه، في مراقي السعادة درجًا. ووضع مَن (2) أعرض عنه، ولم