طريق الهجرتين وباب السعادتين

طريق الهجرتين وباب السعادتين

12057 2

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (13)]

حققه: محمد أجمل الإصلاحي

خرج أحاديثه: زائد بن أحمد النشيري

راجعه: سعود بن عبد العزيز العريفي - علي بن محمد العمران

الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)

الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)

عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)

عدد الصفحات :956

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]





مشاركة

فهرس الموضوعات

وإنما تكلم على الفصول التي بين الفصلين المذكورين. لأن غرضه -وهو الكلام على علل المقامات- كان متعلقًا بها. وقد استغرق الكلام عليها نحو 280 صفحة من نشرتنا هذه، أي نحو ثلث الكتاب. فهو بمنزلة رسالة مستقلة في نقد كتاب ابن العريف. وإذا كان المبحث السابق وهو القضاء والقدر وما إليه قد يشعر القارئ باستطالته مع خطره وجلالته، وبأن ابن القيم رحمه اللَّه لو كان ألّف كتابه الكبير من قبل لأحال عليه وأوجز القول هنا، كما فعل في حاشيته على السنن = فإن هذا المبحث -وهو علل المقامات- قد وقع في حاقّ موضعه، وهو من صميم موضوع الكتاب. وذلك لأن هذه المقامات هي مقامات السلوك ومنازله، فيجب على السالك أن يعرف عللها وقوادحها، فيتجنبها ويتحاشاها، لينجح مسعاه ويحمد مسراه. ومن المصائب أن جميع المقامات التي ذكرت في الكتاب والسنة، ووصف بها الأنبياء وغيرهم من عباد اللَّه الصالحين قد جعلها أرباب الطرق معلولة ومن مقامات العوامّ من السالكين. ومراتب الخاصة فوقها، ثم مراتب خاصّة الخاصّة. فلم يكن محيص من التعرض لهذه العلل في هذا الكتاب الذي قصد به بيان قواعد السلوك الشرعي. وكان من السهل أن يعقد ابن القيم رحمه اللَّه بابًا كاملًا في علل المقامات، ولكنه لم يفعل، بل جاء كلامه عليها عرضًا في الظاهر، كأنه لم يصمد إليها صمدًا، ولم يكن ذلك من همّه ووكده. ولعل هذا رفق منه بقارئ كتابه، وتلطف وإيناس له، لكيلا يستوحش من البداية، فينفر نفورًا. فلننظر كيف دلف ابن القيم إلى هذا البحث النفيس الخطير. عقد ابن القيم فصلًا (403) بعنوان "قاعدة نافعة"، وذكر أن الإنسان

الصفحة

32/ 91

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد للَّه الذي نَصَبَ الكائناتِ على ربوبيّته ووحدانيّته حُجَجًا، وحَجَبَ العقولَ والأبصارَ أن تجد إلى تكييفه منهجًا، وأوجب الفوزَ بالنجاة لمن شهد له بالوحدانية شهادةً لم يبغِ لها عوجًا، وجعل لمن لاذ به واتّقاه مِن كلِّ ضائقةٍ مخرجًا، وأعقبَ مِن ضيقِ الشدائدِ وضَنْكِ الأوابدِ لمن توكَّل عليه فرجًا، وجعل قلوبَ أوليائه متنقلةً في منازل عبوديته من الصبر والتوكّل والإنابة والتفويض والمحبّة والخوف والرَّجا.

فسبحان من أفاض على خلقه النعمة، وكتَب على نفسه الرحمة، وضمّن الكتابَ الذي كَتَبه أنّ رحمتَه تغلِبُ غضبَه. أسبغ على عباده نِعَمه الفُرادى والتُّؤام. وسخر لهم البرّ والبحر، والشمس والقمر، والليل والنهار، والعيون والأنهار، والضياءَ والظلام. وأرسل إِليهم رُسُله، وأنزل عليهم كُتُبه، يدعوهم إلى جواره في دار السلام. {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام/ 125].

فسبحان من أنْزَلَ على عَبْدِه الكتابَ ولَمْ يَجْعَلْ له عِوَجًا (1). ورفع لمن ائتمَّ به، فَأحلَّ حلالَهُ، وحرَّمَ حرامَهُ، وعمل بمحكمه، وآمن بمتشابهه، في مراقي السعادة درجًا. ووضع مَن (2) أعرض عنه، ولم

الصفحة

5/ 956

مرحباً بك !
مرحبا بك !