[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (13)]
حققه: محمد أجمل الإصلاحي
خرج أحاديثه: زائد بن أحمد النشيري
راجعه: سعود بن عبد العزيز العريفي - علي بن محمد العمران
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات :956
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (13) طريق الهجرتين وباب السعادتين تأليف الإمام أبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 - 751) حققه: محمد أجمل الإصلاحي خرج أحاديثه: زائد بن أحمد النشيري إشراف بكر بن عبد اللَّه أبو زيد دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
فلو توهّم العبد المسكين هذه الحالَ، وصوّرَتْها له نفسُه، وأرته إيّاها على حقيقتها، لتقطع واللَّهِ قلبُه، ولم يلتذَّ بطعام ولا شراب؛ ولخرج إلى الصُّعُدات (1) يجأَر إلى اللَّه، ويستغيث به، ويستعتبه (2) في زمن الاستعتاب. هذا مع أنَّه إذا آثر شهواته ولذّاته الفانية التي هي كخيال طَيف أو مُزنة صَيف نُغِّصت عليه لذّتُها أحوجَ ما كان إليها، وحيل بينه وبينها أقدرَ ما كان عليها!
وتلك سنّة اللَّه في خلقه، كما قال تعالى: {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس/ 24].
وهذا هو غِبّ إعراضه وإيثاره شهوتَه (3) على مرضاة ربّه، فيعوّق (4) القدرُ عليه أسبابَ مراده، فيخسر الأمرين جميعًا. فيكون معذَّبًا في الدنيا بتنغيص شهواته وشدة اهتمامه بطلب ما لم يُقسَم له، وإن قُسِم له منه شيء فحشوه الخوفُ والحزن (5) والنكد والألم. فهمٌّ لا ينقطع، وحسرة لا تنقضي، وحرص لا ينفد، وذلّ لا ينتهي، وطمع لا يُقلِع!