
[آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (32)]
تحقيق: زاهر بن سالم بَلفقيه
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - أحمد حاج عثمان
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 468
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ولا حلاوة النصر والظفر والقهر؛ فإن الأشياء يَظهر حُسْنُها بأضدادها، ولولا ذلك التسليط لم يستوجب الأعداء المَحْق والإهانة والكَبْت.
فاستخرج ذلك التسليط من القوة إلى الفعل ما عند أوليائه؛ فاستحقوا كرامتهم عليه، وما عند أعدائه؛ فاستحقوا عقوبتهم عليه، فكان هذا التسليط مما أظهر حكمته وعزته ورحمته ونعمته في الفريقين، وهو العزيز الحكيم.
الوجه الثامن والثلاثون: قوله: «وأي حكمة في تكليف الثَّقَلَيْن وتعريضهم بذلك للعقوبة وأنواع المشاق؟».
فاعلم أنه لولا التكليف لكان خَلْق الإنسان عبثًا وسُدى، والله يتعالى عن ذلك، وقد نزّه نفسه عنه، كما نزّه نفسه عن العيوب والنقائص، قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115]، وقال: {أَيَحْسِبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة: 36]، قال الشافعي: «لا يؤمر ولا يُنهى» (1).
ومعلوم أنّ تَرْك الإنسان كالبهائم مهمَلًا معطَّلًا مضادٌّ للحكمة؛ فإنه خُلِق لغاية كماله، وكماله أن يكون عارفًا بربه، محبًّا له، قائمًا بعبوديته، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وقال: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12]، وقال: {ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المائدة: 97].