شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل ج2

شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل ج2

3955 1

[آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (32)]

تحقيق: زاهر بن سالم بَلفقيه

راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - أحمد حاج عثمان

الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)

الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)

عدد الصفحات: 468

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]






أجزاء الكتاب

مشاركة

فهرس الموضوعات

فالجواب أن يقال: كم لله سبحانه في ذلك من حكمة، وكم فيه من نعمة ومصلحة تعجز العقول عن معرفتها على التفصيل، ولو استفرغت قواها كلها في معرفة ذلك. وإهباط آدم وإخراجه من الجنة كان نفسَ كماله؛ ليعود إليها على أحسن أحواله، وهو سبحانه إنما خلقه ليستعمره وذريته في الأرض، ويجعلهم يخلف بعضهم بعضًا، فخلقهم سبحانه ليأمرهم وينهاهم ويبتليهم، وليست الجنة دار ابتلاء وتكليف. فأخرج الأبوين إلى الدار التي خُلِقوا منها وفيها ليتزوّدوا منها إلى الدار التي خُلِقوا لها، فإذا ذاقوا تعب دار التكليف ونصبها وأذاها عرفوا قدر تلك الدار وشرفها وفضلها، ولو نشأوا في تلك الدار لما عرفوا قدر نعمته عليهم بها، فأسكنهم دار الامتحان، وعرّضهم فيها لأمره ونهيه؛ لينالوا بالطاعة أفضل ثوابه وكرامته، وكان من الممكن أن يحصل لهم النعيم المقيم هناك، لكن الحاصل عقيب الابتلاء والامتحان، ومعاناة الموت وما بعده، وأهوال القيامة، والعبور على الصراط= نوع آخر من النعيم لا يُدْرَك قدره، وهو أكمل مِنْ نعيم مَنْ خُلِق في الجنة من الوِلْدان والحور العين، بما لا نسبة بينهما بوجه من الوجوه. ومن الحِكَم في ذلك أنه سبحانه أراد أن يتخذ من ذرية آدم رسلًا وأنبياء وشهداء، يحبهم ويحبونه، وينزل عليهم كتبه، ويعهد إليهم عهده، ويستعبدهم له في السراء والضراء، ويؤثرون محابه ومراضيه على شهواتهم وما يحبونه ويهوونه، فاقتضت حكمته أن أنزلهم إلى دارٍ ابتلاهم فيها بما ابتلاهم ليكملوا بذلك الابتلاء مراتب عبوديته، ويعبدونه بما تكرهه

الصفحة

259/ 468

مرحباً بك !
مرحبا بك !