
[آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (32)]
تحقيق: زاهر بن سالم بَلفقيه
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - أحمد حاج عثمان
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 468
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
والمقصود أن من الغايات المطلوبة (1) العلم بإحاطة عِلم واحد من عالِم واحد، وفِعْل واحد من فاعل واحد، وقدرة واحدة من قادر واحد، وحكمة واحدة من حكيم واحد، بجميع العالم على اختلاف ما فيه. واجتمعت غايات فعله وأمره إلى غاية واحدة، وذلك من أظهر أدلة توحيد الإلهية، كما ابتدأت كلها من خالق واحد، وقادر واحد، ورب واحد.
ودلَّ على الأمرين ــ أعني توحيد الربوبية والإلهية ــ النظام الواحد والحكمة الجامعة للأنواع المختلفة مع كثرتها وتعددها، ودلّ افتقار بعضها إلى بعض، وتشبّك بعضها ببعض، ومعاونة بعضها لبعض، وارتباطه به= على أنها صنع فاعل واحد، وربّ واحد.
فلو كان معه آلهة وأرباب غيره لذهب كل إله بخلقه واستبدّ به، ولم يرضَ لنفسه أن يحتاج خلقُه إلى خَلْقِ غيره، كما لا ترضى ملوك الدنيا أن يحتاج مملوكُ أحدِهم إلى مملوكِ غيرِه (2)؛ لما في ذلك من النقص والعيب المنافي لكمال الاقتدار والغنى، ودلَّ انتظامها في الوجود، ووقوعها مع تباينها، واختلافها على أكمل الوجوه وأحسنها، على انتهائها إلى غاية واحدة ومطلوب واحد هو إلهها الحق، ومعبودها الأعلى، الذي لا إله لها غيره، ولا معبود لها سواه.
فتأمل كيف دلّ اختلاف الموجودات وتباينها، واجتماعها فيما اجتمعت فيه، وافتراقها فيما افترقت فيه على إله واحد، وربّ واحد، ودلت على صفات كماله ونعوت جلاله.