
[آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (32)]
تحقيق: زاهر بن سالم بَلفقيه
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - أحمد حاج عثمان
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 468
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فيغفر لهم» (1).
فلو لم يُقدِّر الذنوب والمعاصي فلمَنْ يغفر، وعلى مَنْ يتوب، وعمّن يعفو، ولمن يسامح ويعتق، ويُسقِط حقّه، ويُظهِر فضله وحلمه وجوده وكرمه، وهو واسع المغفرة، فكيف يعطّل هذه الصفة؟
أم كيف تتحقق بدون ما يُغْفَر، ومَنْ يغفر له، ومَنْ يتوب، وما يتاب منه؟
فلو لم يكن في تقدير الذنوب والمعاصي والمخالفات إلا هذا وحده لكفى به حكمة وغاية محمودة، فكيف والحِكَم والمصالح والغايات المحمودة التي في ضمن هذا التقدير فوق ما يخطر بالبال.
وكان بعض العُبَّاد يدعو في طوافه: اللهم اعصمني من المعاصي. ويُكْثِرُ من ذلك، فقيل له في المنام: أنت تسألني العصمة، وعبادي يسألوني العصمة، فإذا عصمتكم مِنَ الذنوب فلمَنْ أغفر، وعلى مَنْ أتوب، وعمَّنْ أعفو؟!
ولو لم تكن التوبة أحب الأشياء إليه لما ابتلى بالذنب أكرم الخلق عليه.
يوضحه الوجه العشرون: أنه قد ترتّب على خَلْق من يكفر به ويشرك به ويعاديه من الحِكَم الباهرة والآيات الظاهرة ما لم يكن يحصل بدون ذلك.
فلولا كُفْرُ قوم نوح لما ظهرت آية الطوفان، وبقيت آية يتحدث بها الناس على ممر الزمان، ولولا كُفْرُ عاد لما ظهرت آية الريح العقيم التي دمّرت ما مرّت عليه، ولولا كُفْرُ قوم صالح لما ظهرت آية إهلاكهم بالصيحة، ولولا كُفْرُ فرعون لما ظهرت تلك الآيات والعجائب التي تتحدث