
[آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (32)]
تحقيق: زاهر بن سالم بَلفقيه
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - أحمد حاج عثمان
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 468
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
والثاني: كقوله: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 27]، وقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ} [البقرة: 185].
فالإرادة بالمعنى الأول: تستلزم وقوع المراد، ولا تستلزم محبته والرضا به.
وبالمعنى الثاني: لا تستلزم وقوع المراد، وتستلزم محبته والرضا به.
هذا إذا تعلقت الإرادة بأفعال العباد.
وأما إذا تعلقت بأفعاله هو سبحانه (1) فإنها لا تنقسم، بل كل ما أراده من أفعاله فهو محبوب مرضيّ له، ففرق بين إرادة أفعاله وإرادة مفعولاته، فإن أفعاله خير كلها وعدل ومصلحة وحكمة، لا شر فيها بوجه من الوجوه، وأما مفعولاته فهي مَوْرد الانقسام.
وهذا إنما يتحقق على قول أهل السنة: إن الفعل غير المفعول، والخلق غير المخلوق، كما هو الموافق للعقول والفِطَر واللغة، ودلالة القرآن والحديث، وإجماع أهل السنة، كما حكاه البغوي في «شرح السنة» عنهم (2).
وعلى هذا فههنا إرادتان ومرادان: إرادة أن يفعل، ومرادها فعله القائم به. وإرادة أن يفعل عبده، ومرادها مفعوله المنفصل عنه، وليسا بمتلازمين، فقد يريد من عبده أن يفعل، ولا يريد من نفسه إعانته على الفعل، وتوفيقه له، وصَرْف موانعه عنه، كما أراد من إبليس أن يسجد لآدم، ولم يرد من نفسه أن يعينه على السجود، ويوفّقه له، ويثبّت قلبه عليه، ويصرفه إليه، ولو أراد ذلك