
[آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (32)]
تحقيق: زاهر بن سالم بَلفقيه
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - أحمد حاج عثمان
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 468
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الإنسانية لا تنال (1) إلا بالآلام والمشاقّ، كالعلم والشجاعة والزهد والعِفّة والحلم والمروءة والصبر والإحسان، كما قال:
لولا المشقةُ ساد الناسُ كلهمُ ... الجودُ يُفْقِرُ والإقدامُ قَتَّالُ (2)
وإذا كانت الآلام أسبابًا لِلَذّاتٍ أعظم منها وأدوم؛ كان العقل يقضي باحتمالها.
وكثيرًا ما تكون الآلام أسبابًا لصحة لولا تلك الآلام لفاتت، وهذا شأن أكثر أمراض الأبدان.
فهذه الحمّى فيها من المنافع للأبدان ما لا يعلمه إلا الله، وفيها من إذابة الفضلات وإنضاج المواد الفِجّة (3) وإخراجها ما لا يصل إليه دواء غيرها، وكثير من الأمراض إذا عرض لصاحبها الحمّى استبشر بها الطبيب.
وأما انتفاع القلب والروح بالآلام والأمراض فأمرٌ لا يحسّ به إلا من فيه حياة، فصحة القلوب والأرواح موقوفة على آلام الأبدان ومشاقها، وقد أُحْصِيت فوائد الأمراض فزادت على مائة فائدة.
وقد حجب الله سبحانه أعظم اللذات بأنواع المكاره، وجعلها جسرًا موصلًا إليها، كما حجب أعظم الآلام بالشهوات واللذات، وجعلها جسرًا