
[آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (32)]
تحقيق: زاهر بن سالم بَلفقيه
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - أحمد حاج عثمان
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 468
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مطلوبة، فكم من حكمة ومصلحة في ذلك، من إقامة الليل والسكن فيه، والنهار والمعاش فيه، فلو جعل الله عليهم الليل سرمدًا أو النهار سرمدًا لتعطلت مصالحهم وأكثر معايشهم، والحكمة في طلوعها أظهر من أن تُنْكَر.
ولكن تأمل الحكمة في غروبها، إذ لولا ذلك لم يكن للناس هدوء ولا قرار ولا راحة، وكان الكدّ الدائم يَنْكَأ في أبدانهم ويسرع فسادها، وكان ما على الأرض يحترق بدوام شروق الشمس من حيوان ونبات، فصار النور والظلمة على تضادهما متعاونين متظاهرين على ما فيه صلاح العالم وقوامه ونظامه.
وكذلك الحكمة في ارتفاع الشمس وانحطاطها لإقامة هذه الأزمنة الأربعة، وما في ذلك من الحكمة.
فإن في الشتاء تغور الحرارة في الشجر والنبات فتتولد من ذلك مواد الثمار، ويكثف الهواء فينشأ منه السحاب، ويحدث المطر الذي به حياة الأرض والحيوان، وتشتد أفعال الحيوان، وتقوى الأفعال الطبيعية.
وفي الربيع تتحرك الطبائع، وتظهر المواد الكامنة في الشتاء.
وفي الصيف يسخن الهواء فتنضج الثمار، وتتحلّل فضول الأبدان، ويجفّ وجه الأرض، فيتهيأ للبناء وغيره.
وفي الخريف يصفو الهواء ويعتدل، فيذهب بسَوْرة حر الصيف (1) وسمومه، إلى أضعاف أضعاف ذلك من الحكم.