
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (٣٢)]
تحقيق: زاهر بن سالم بَلفقيه
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - أحمد حاج عثمان
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، ١٤٤١ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: ٢
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (32) شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ) تحقيق زاهر بن سالم بَلفقيه وفق المنهج المعتمد من الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد (رحمه الله تعالى) دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
فهو أقرب شهيد، وأدنى حفيظ، وأعظم رقيب، وأرأف رحيم، حال دون النفوس، وأخذ بالنواصي، وكتب الآثار، ونسخ الآجال، فأزِمَّة الأمور بيديه، ومرجعها كلها إليه، فالقلوب له مُفْضِية، والسِّرُّ عنده علانية، والمستور لديه مكشوف، وكلُّ أحدٍ إليه فقير مَلْهوف على الدوام. فسبحان مَن نفذ حكمُه في بريّته، وعدل بينهم في أقضيته، وعمَّهم برحمته، وصرَّفهم تحت مشيئته وحكمته، وأكرمهم بتوحيده ومعرفته، وجعل أهل ذكره أهل مجالسته، وأهل شكره أهل زيادته، وأهل طاعته أهل كرامته، وأهل معصيته لا يُقنطهم من رحمته، إن تابوا فهو حبيبهم، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ} [البقرة: 222]، وإن أصرُّوا فهو طبيبُهُم، يبتليهم بأنواع المصائب؛ ليطهّرهم من الدَّنَس والآثام. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ولا كُفُؤ له، ولا سَمِيَّ له، ولا صاحبة له، ولا ولد له، بل هو الأحد الصمد الذي تفرَّد بإلهيَّته، وتوحَّدَ بربوبيته، وتعالى عن مشابهة خليقته، وأنَّى يشبه العبدُ المخلوقُ الملكَ القدّوسَ السّلام. وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، وسفيره بينه وبين عباده، أرسله رحمةً للعالمين، وقدوةً للعاملين، ومَحَجّة للسالكين، وحُجّة على العباد أجمعين. أرسله على حين فترة من الرسل، ودروس من الكتب، وطموس من السُّبُل، حين انقطع خبر الوحي من السماء، وتاه الأدِلّاءُ في دياجي الظَّلماء، وغشيت الأرضَ ظلماتُ الكفر والشِّرك والعناد، واستولى عليها أئمةُ الكفر وعساكرُ الفساد، واستند كل قوم إلى ظلمات آرائهم، وحكموا على الله وبين